مزارع شبعا والعقدة الأخيرة.. ترسيم الحدود البرية يختبر صلابة الدولة اللبنانية

مزارع شبعا والعقدة الأخيرة.. ترسيم الحدود البرية يختبر صلابة الدولة اللبنانية

مزارع شبعا والعقدة الأخيرة.. ترسيم الحدود البرية يختبر صلابة الدولة اللبنانية
مزارع شبعا

بعد أشهر من الصمت الحدودي وهدوء ما بعد الحرب، تلوح في الأفق ملامح مسار تفاوضي جديد بين بيروت وتل أبيب، عنوانه هذه المرة "الحدود البرية" لا البحرية.

 في أروقة القرار اللبناني، تدور مشاورات دقيقة ومحسوبة حول شكل الانخراط في هذه المفاوضات، وسط حساسية سياسية وشعبية تُدرك أن أي حوار مع إسرائيل، مهما كانت طبيعته، يلامس جوهر السيادة وموازين القوى في الجنوب، وفي المقابل، تبدو واشنطن مستعدة للعب دور الوسيط مجددًا، مستندة إلى تجربة المبعوث آموس هوكستين التي نجحت في ترسيم الحدود البحرية عام 2022، لكن الجديد اليوم أن الملف البري أكثر تشابكًا، لا سيما مع بقاء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا مناطق رمادية قانونيًا وجغرافيًا؛ ما يجعل من "الخط الأزرق" مسرحًا دقيقًا لتقاطعات سياسية، وأمنية، وحتى رمزية بين لبنان الرسمي، وحزب الله، وإسرائيل، في ظل سياق إقليمي متوتر لا يحتمل أخطاء في الحسابات.

تثبيت حالة الهدوء


تؤكد تقارير إعلامية إسرائيلية ولبنانية متقاطعة، أن واشنطن تضغط بهدوء لإطلاق مسار جديد لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، بعد عامٍ على وقف إطلاق النار الذي أنهى واحدة من أكثر جولات المواجهة بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي دموية منذ حرب تموز 2006.

الهدف، وفق المراقبين، هو تثبيت حالة الهدوء جنوب الليطاني ومنع الانزلاق نحو مواجهة جديدة، خصوصًا مع هشاشة الوضع الإقليمي بعد الحرب على غزة.

في لبنان، تبرز انقسامات واضحة حول طبيعة هذا المسار. فالرئيس جوزيف عون، الذي انتُخب مطلع العام، يسعى لتوحيد الموقف الداخلي تجنبًا لتكرار الانقسامات التي رافقت ملف الترسيم البحري. 

وفي هذا السياق، عقد لقاءات مكثفة مع رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، بحثًا عن صيغة تتيح للبنان التفاوض من موقع السيادة دون أن يبدو وكأنه يفتح باب التطبيع السياسي مع إسرائيل.

الخط الأزرق


مصادر سياسية مطلعة أكدت أن الموقف اللبناني الرسمي ما يزال متمسكًا بصيغة "المفاوضات غير المباشرة" برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، على غرار ما جرى سابقًا في الناقورة.

فلبنان، بحسب هذه المصادر، يعتبر أن التفاوض المباشر "يمنح إسرائيل شرعية ضمنية" لا يرغب في منحها، خصوصًا في ظل استمرار احتلال مزارع شبعا ووجود 12 نقطة خلافية على طول "الخط الأزرق".

أما من الجانب الإسرائيلي، فتسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى توظيف هذا الملف لفرض "إعادة ترسيم" شاملة، وفق مصادر تحدثت إلى "إسرائيل هيوم"، تتيح لإسرائيل تعديل بعض النقاط الحدودية التي ترى أنها "غير دقيقة" أو "أُقرت في ظروف استثنائية بعد عام 2000".

وتذهب تل أبيب إلى حد القول إن اتفاق الهدنة لعام 1949 أصبح "منتهي الصلاحية"، بينما يصر لبنان على أنه المرجعية القانونية الوحيدة لتثبيت حدوده المعترف بها دوليًا.

اختبار لقدرة لبنان


ورغم الطابع التقني الظاهر لهذه المفاوضات، إلا أن البعد السياسي يظل طاغيًا، فترسيم الحدود يعني عمليًا إعادة تعريف العلاقة بين "الدولة اللبنانية" و"المقاومة".

إذ لطالما اعتبر حزب الله أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا هو مبرر أساسي لبقاء سلاحه، وبالتالي، فإن أي اتفاق يُثبّت الحدود ويُقرّ بانسحاب إسرائيلي كامل قد يضع الحزب أمام سؤال وجودي، هل تنتفي مبررات المقاومة بعد ذلك؟

واشنطن، من جهتها، تحاول تقديم نفسها كضامن للاستقرار، حيث أعلن مكتب وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، أن المبعوثة مورغان أورتاغوس تعمل على "تهيئة الأرضية لمحادثات بنّاءة تهدف إلى حل النزاعات العالقة دبلوماسيًا".

وتعتبر الإدارة الأميركية أن نجاح هذا المسار سيشكل اختبارًا لقدرة لبنان على الخروج من دوامة أزماته، وفرصة لإسرائيل لإعادة تلميع صورتها بعد حرب غزة.

 

فرصة نادرة


أما في الميدان، فما تزال القوات الدولية "اليونيفيل" ترصد بين حين وآخر خروقات إسرائيلية في نقاط متفرقة من الخط الأزرق، الأمر الذي يزيد الضغط على الدولة اللبنانية لتأكيد سيادتها من دون الانزلاق إلى مواجهة.

مصادر دبلوماسية أوروبية اعتبرت أن "الهدوء النسبي الحالي هو فرصة نادرة يجب استثمارها قبل أن يتبدد"، مشيرة إلى أن الملف الحدودي "قد يشكل مدخلًا لخفض التوترات الأوسع في الإقليم، إذا ما تم التعامل معه بمرونة وواقعية".

في المقابل، يرى محللون أن نجاح مفاوضات الترسيم البري، إذا تمت، قد يفتح الباب أمام نقاشات أوسع حول مستقبل العلاقات اللبنانية الإسرائيلية، وإن بقيت في الإطار الأمني التقني، لكنه في النهاية يعيد ترتيب توازنات النفوذ في جنوب لبنان ويمنح بيروت مساحة تفاوضية أوسع في أي ترتيبات إقليمية قادمة.
إرادة سياسية وتفاهمات إقليمية


يقول أستاذ العلوم السياسية د. محمد المنجي:إن المفاوضات المحتملة بين لبنان وإسرائيل بشأن الحدود البرية تمثل لحظة اختبار حقيقية للنظام اللبناني.
لجديد بقيادة الرئيس جوزيف عون، كما تعكس تحولاً في مقاربة واشنطن تجاه ملفات الصراع في المشرق العربي".

ويضيف المنجي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الولايات المتحدة تراهن على قدرتها على تكرار تجربة النجاح الجزئي التي تحققت في الترسيم البحري، لكنها تدرك أن الملف البري أكثر حساسية لأنه يرتبط مباشرة بالسيادة والأمن القومي، لا بالموارد الاقتصادية فقط.

ويشير إلى أن إسرائيل ترى في هذه المفاوضات فرصة لترسيخ واقع ميداني جديد يضمن لها أمن حدودها الشمالية.

.سيكون العامل الحاسم في أي تسوية، إذ لا يمكن لأي طرف لبناني أن يقدم تنازلات في مناطق تعتبرها المقاومة خطوطًا حمراء، في المقابل

ويختم بالقول: "إن نجاح الوساطة الأميركية سيعتمد على قدرة الأطراف الثلاثة على تبنّي صيغة توازن بين المصلحة الوطنية اللبنانية والهواجس الإسرائيلية،الأمنية وهو توازن دقيق لا يمكن تحقيقه إلا بإرادة سياسية حقيقية وتفاهمات إقليمية أوسع".