من الغارات إلى الاقتحام.. تل أبيب تُصعد لعبتها الأمنية في الجنوب السوري

من الغارات إلى الاقتحام.. تل أبيب تُصعد لعبتها الأمنية في الجنوب السوري

من الغارات إلى الاقتحام.. تل أبيب تُصعد لعبتها الأمنية في الجنوب السوري
قصف سوريا

في مشهد بدا وكأنه مقتطع من فيلم تجسسي، تحولت سماء ريف دمشق إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين المروحيات الإسرائيلية والوحدات السورية، بعدما نفذت إسرائيل عملية إنزال جوي نادرة قرب جبل المانع جنوب غرب العاصمة، العملية التي رافقتها غارات جوية متواصلة، لم تقتصر على الاستهداف التقليدي للبنية العسكرية السورية، بل حملت أبعادًا تتعلق بأجهزة تنصت ومراقبة يُعتقد أنها كانت تُستخدم في أنشطة مرتبطة بإيران وفصائلها المسلحة، ومع أن إسرائيل التزمت الغموض المعتاد، مكتفية بتصريحات مقتضبة عن "الدفاع عن أمنها"، إلا أن الحدث فتح الباب أمام أسئلة كبيرة حول طبيعة الأهداف الفعلية للعملية، ورسائلها في مرحلة سياسية وأمنية حساسة، حيث تتقاطع محادثات أمنية بين دمشق وتل أبيب مع استمرار المواجهة على الأرض، وبينما تتكتم الأطراف على التفاصيل، يبدو أن ما جرى فوق جبل المانع يرمز إلى انتقال الصراع من غارات متقطعة إلى عمليات مباشرة أكثر جرأة.

غارات تتبعها مظلات


مع غروب شمس يوم السادس والعشرين من أغسطس، كانت وحدات من الجيش السوري في جولة اعتيادية قرب جبل المانع، حين عثرت على معدات مراقبة وتنصت مخبأة في منطقة عسكرية سابقة، لحظات قليلة فصلت الاكتشاف عن هجوم جوي إسرائيلي مباغت أودى بحياة سبعة جنود، ودمر آليات عسكرية، وفق ما أكدته مصادر ميدانية.

ومع أن مثل هذه الغارات لم تعد استثناءً في السنوات الأخيرة، إلا أن اللافت كان المرحلة الثانية من العملية، تحليق أربع مروحيات إسرائيلية على ارتفاع منخفض في منطقة الكسوة المجاورة، لتبدأ بعدها عملية إنزال مظلي استمرت لأكثر من ساعتين.

بحسب روايات متعددة، لم يجرِ أي اشتباك مباشر بين الجنود الإسرائيليين والسوريين خلال العملية، وهو ما يعزز فرضية أن الهدف لم يكن مواجهة عسكرية، بل البحث عن معدات محددة أو تدمير منظومات بقيت في المكان منذ عهد الفصائل المدعومة من إيران.

لماذا جبل المانع؟


جبل المانع ليس موقعًا عاديًا في الجغرافيا العسكرية السورية. فقد كان خلال حكم الرئيس السابق بشار الأسد قاعدة رئيسية للدفاع الجوي، قبل أن تدمر إسرائيل معظم بنيتها في غارات متكررة قبيل سقوط النظام.

وبعد إعادة تمركز الجيش السوري الجديد في المنطقة، بقي الموقع محاطًا بشبهات حول استمرار وجود مخازن أو معدات استخباراتية مرتبطة بطهران.

عملية الإنزال، وفق قراءة عسكرية، لم تكن مجرد "رد فعل" على اكتشاف معدات مراقبة، بل خطوة استباقية هدفها التأكد من خلو المنطقة من أي منظومات متطورة يمكن أن تعيد تموضع النفوذ الإيراني جنوب سوريا.

كما أن التوقيت يتزامن مع ارتفاع وتيرة المحادثات الأمنية غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، ما يمنح العملية بعدًا سياسيًا إضافيًا، باعتبارها رسالة بأن إسرائيل لن توقف عملياتها الميدانية حتى في ظل الحوار.

في تل أبيب، لم يصدر سوى تصريح مقتضب لوزير الدفاع يسرائيل كاتس أكد فيه، أن "القوات تعمل ليل نهار من أجل أمن إسرائيل"، ورغم بساطة العبارة، فإنها تترجم استراتيجية إسرائيلية متصاعدة تقوم على توسيع نطاق العمليات من قصف أهداف محددة إلى تنفيذ عمليات خاصة أكثر جرأة داخل الأراضي السورية.

ويشير خبراء عسكريون، أن العملية تشكل تحولًا نوعيًا في قواعد الاشتباك؛ فهي المرة الأولى منذ فترة طويلة التي تُسجّل فيها عملية إنزال بهذا العمق قرب العاصمة السورية، الرسالة واضحة: إسرائيل مستعدة للذهاب أبعد من مجرد "إضعاف الخصوم" إلى مرحلة "التطهير الميداني" لأي بنية يُشتبه أنها تشكل تهديدًا استخباراتيًا أو عسكريًا.

دمشق بين الحرج والرسائل المتقاطعة


بالنسبة للحكومة السورية الجديدة، جاءت العملية في توقيت حساس، فمن جهة، هي تسعى لتثبيت شرعيتها داخليًا وخارجيًا بعد سقوط النظام السابق، ومن جهة أخرى تواجه تحديات أمنية متزايدة في الجنوب، حيث يتقاطع النفوذ الإسرائيلي والإيراني.

مصادر ميدانية أكدت، أن وحدات الجيش السوري حاولت تدمير جزء من المنظومات المكتشفة، وسحبت جثامين الجنود القتلى رغم استمرار الغارات، إلا أن غياب الاشتباك المباشر مع القوات الإسرائيلية خلال الإنزال يعكس إدراكًا بأن الدخول في مواجهة مفتوحة قد يقوض الجهود الدبلوماسية الجارية.

في السياق ذاته، أعربت سوريا، عن بالغ إدانتها واستنكارها للاعتداء الذي نفذته طائرات مسيرة تابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، مستهدفة وحدة من الجيش السوري قرب مدينة الكسوة في ريف دمشق، الذي أسفر عن استشهاد 6 من جنود الجيش السوري.

وأكدت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في بيان، أن هذا الاعتداء يُشكل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويُمثل خرقًا واضحًا لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، كما يأتي في سياق السياسات العدوانية المتكررة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي بهدف تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة.

وجددت سوريا تمسكها بحقها المشروع في الدفاع عن أرضها وشعبها وفقًا لأحكام القانون الدولي، فإنها تدعو المجتمع الدولي، لا سيما مجلس الأمن، إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية في وضع حد لهذه الاعتداءات المتكررة والعمل على إلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بوقف انتهاكاتها المستمرة ضد سوريا وشعبها ومؤسساتها الوطنية.

رسالة مزدوجة


من جهته، يرى اللواء أركان حرب هيثم حسين، الخبير العسكري أن عملية الإنزال الإسرائيلي قرب جبل المانع تمثل تحولًا نوعيًا في أسلوب إدارة الصراع داخل سوريا. 

ويقول حسين: إن إسرائيل انتقلت من سياسة "الضربات الجراحية" بالطيران إلى مرحلة العمليات الخاصة المباشرة، وهو مؤشر على رغبتها في تثبيت معادلة ردع أوسع، خصوصًا في الجنوب السوري الذي يعد خط تماس استراتيجي مع الجولان المحتل.

وأوضح حسين -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن اختيار موقع العملية لم يكن عشوائيًا، فجبل المانع لطالما اعتُبر عقدة دفاعية مهمة ومركزًا لنشاط الفصائل المدعومة من إيران، وبالتالي، فإن عودة إسرائيل لتنفيذ عملية إنزال هناك تحمل رسالة مزدوجة الأولى، أنها لن تسمح بإعادة تموضع أي قوة إيرانية قرب حدودها، والثانية، أنها قادرة على تنفيذ عمليات معقدة حتى في مناطق يفترض أنها تحت سيطرة الجيش السوري.

وأضاف حسين: أن غياب الاشتباك المباشر مع القوات السورية يعكس إدراك الجانب السوري لخطورة الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، لكنه في الوقت نفسه يكشف هشاشة الموقف السوري أمام التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي الإسرائيلي.

 ويختتم بالقول: إن العملية لن تكون الأخيرة، بل ربما تمهد لسلسلة تحركات مشابهة، في ظل استمرار التنافس الإقليمي على رسم ملامح سوريا الجديدة.