تستعد مصر لحدث ثقافي عالمي طال انتظاره، يتمثل في الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، أحد أضخم وأهم المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين، والذي يُفتتح يوم السبت بعد أكثر من عشرين عامًا من الإعداد وسلسلة طويلة من التأجيلات بسبب الاضطرابات السياسية وجائحة كورونا والتوترات الإقليمية.

وأكدت وكالة الأنباء الفرنسية، أن المتحف الذي بلغت كلفته أكثر من مليار دولار، يُطل على هضبة أهرامات الجيزة في مشهد بانورامي أخّاذ، ويضم آلاف القطع الأثرية التي تمتد على مدار أكثر من خمسة آلاف عام من التاريخ المصري القديم، من بينها مقتنيات تُعرض للمرة الأولى أمام الجمهور.

افتتاح رسمي وسط أجواء احتفالية ضخمة

ومن المقرر أن يشهد غدًا السبت افتتاحًا رسميًا كبيرًا للمتحف، وُصف بأنه تتويج لجهود الدولة المصرية في إعادة إحياء قطاع السياحة ودعم مكانتها كوجهة حضارية عالمية.

ترافق الافتتاح حملة إعلامية ضخمة، حيث وصفت وسائل الإعلام المصرية هذا الحدث بأنه لحظة تاريخية وهدية مصر إلى العالم، وبداية فصل جديد في مسيرة الحضارة المصرية.

ورغم الترقب العالمي، أحاطت السلطات المصرية تفاصيل الافتتاح بسرية كبيرة، ولم تُعلن عن أسماء القادة والزعماء المدعوين، مكتفية بالإشارة إلى مشاركة ملوك ورؤساء دول وحكومات وشخصيات عالمية بارزة، كما لم تكشف بعد عن طريقة عرض قناع توت عنخ آمون الذهبي الشهير الذي يُعد أبرز مقتنيات المتحف.

ابتداءً من الثلاثاء المقبل، سيتم فتح أبواب المتحف للجمهور، ليتمكن الزوار من مشاهدة 4500 قطعة من أصل 5000 من مقتنيات الفرعون الشاب توت عنخ آمون، التي كانت موزعة سابقًا بين المتاحف المصرية القديمة وخاصة المتحف المصري في وسط القاهرة.

تحضيرات رئاسية لضمان افتتاح يليق بمكانة مصر

عقد الرئيس عبدالفتاح السيسي اجتماعًا رفيع المستوى لمتابعة الاستعدادات النهائية للافتتاح، حيث شدد على أهمية أن تُقام الفعالية بما يعكس مكانة مصر العالمية وريادتها في مجال المتاحف والثقافة، ويساهم في تعزيز السياحة التي تُمثل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.

وجاء في بيان رسمي أن الاجتماع ركز على البعد الرمزي للمتحف المصري الكبير، الذي من المقرر أن يصبح مركزًا ثقافيًا وعلميًا عالميًا، يعكس دور مصر الريادي في حفظ التراث الإنساني والتفاعل الثقافي العالمي.

وخلال زيارة تفقدية للموقع، أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن افتتاح المتحف يجسد مكانة مصر باعتبارها مهد الحضارات وواحدة من أكثر الدول إبداعًا في مجال المتاحف والابتكار الثقافي.

كان من المقرر افتتاح المتحف في الثالث من يوليو الماضي، غير أن اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025 وما تبعها من إغلاق للمجالات الجوية في المنطقة لمدة 12 يومًا أدى إلى تأجيل الحدث.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتأخر فيها المشروع، إذ واجه منذ انطلاقه في أوائل الألفية الجديدة سلسلة من العقبات، بدءًا من الاضطرابات السياسية التي أعقبت ثورة 2011، مرورًا بتأثيرات جائحة كورونا، وصولًا إلى الأوضاع الأمنية في المنطقة.

ورغم تلك التحديات، واصلت مصر العمل على المشروع الذي بات رمزًا لقدرتها على تجاوز الأزمات وتحويل الطموح الثقافي إلى واقع ملموس.

انطلاقة جديدة للسياحة المصرية

تسعى القاهرة إلى استثمار افتتاح المتحف الكبير لتعزيز مكانتها على خريطة السياحة العالمية، حيث يُتوقع أن يجذب المتحف نحو خمسة ملايين زائر سنويًا، ويصبح مركزًا للتبادل الثقافي والتعليم والبحث العلمي.

وفي إطار الترويج العالمي، أعلنت شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي من أكبر الكيانات الإعلامية المصرية، عن شراكة استراتيجية مع منصة "تيك توك" لبث محتوى رقمي يعرض القصة الحضارية لمصر أمام جمهور عالمي واسع.

وتشير الأرقام إلى أن قطاع السياحة المصري يشهد تعافيًا ملحوظًا، إذ بلغت إيراداته في العام المالي 2023-2024 نحو 14.4 مليار دولار بزيادة 34.6% عن العام السابق. كما استقبلت البلاد خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 أكثر من 15 مليون سائح، بإيرادات تجاوزت 12.5 مليار دولار، ما يمثل نموًا نسبته 21% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

لا يُعد المتحف المصري الكبير مجرد صرح أثري، بل هو مشروع حضاري متكامل يجمع بين التكنولوجيا الحديثة والتراث الإنساني، ويهدف إلى إعادة صياغة العلاقة بين المصريين وتاريخهم، وتقديم تجربة تفاعلية فريدة للزائرين من مختلف أنحاء العالم.

يقع المتحف على مساحة 480 ألف متر مربع، ويضم قاعات عرض حديثة، ومراكز بحثية، ومناطق ترفيهية وثقافية، ليصبح بوابة مفتوحة على التاريخ المصري القديم في ثوبه العصري.