تدهور المشهد الأمني في السويداء.. هدنة هشة تتهاوى وقرع طبول المواجهة يتجدد

تدهور المشهد الأمني في السويداء.. هدنة هشة تتهاوى وقرع طبول المواجهة يتجدد

تدهور المشهد الأمني في السويداء.. هدنة هشة تتهاوى وقرع طبول المواجهة يتجدد
أحداث السويداء

تعيش محافظة السويداء لحظة فارقة تعيد رسم حدود التوتر بين المجتمع المحلي والسلطة المركزية في دمشق، وسط اشتباكات متقطعة لا تلبث أن تهدأ حتى تتجدد بزخم أشد.

 فالهدنة التي وُقّعت قبل أسابيع باتت شبه رمزية، بعدما تكررت الخروق من الجانبين في مشهد يعكس هشاشة الترتيبات الأمنية وغياب أي مسار سياسي فعّال قادر على نزع فتيل الأزمة، ومع كل مواجهة جديدة، تتكشّف ملامح صراع أعمق حول هوية المحافظة ومستقبلها، وسط إصرار قيادة المجتمع الدرزي على انتزاع دور أكبر في تقرير المصير، مقابل تمسّك دمشق بهيبتها وسلطتها على واحد من أكثر الأقاليم حساسية.

 وفي خضم هذه التعقيدات، يرزح آلاف النازحين تحت ثقل الانتظار، بينما يُضاف ملف المختطفين إلى سلسلة القضايا المعلّقة التي تزيد من هشاشة الوضع.

 هذه الديناميكية المتشابكة تجعل الاشتباكات الأخيرة أكثر من مجرد حادث أمني؛ إنها مؤشر على مرحلة جديدة تزداد فيها المسافة بين السويداء والعاصمة.

توسّع رقعة التوتر


تشهد محافظة السويداء تطورًا جديدًا في سلسلة التوترات الأمنية التي تعصف بها منذ أشهر، بعد تجدد الاشتباكات بين قوات الأمن الداخلي من جهة، ومجموعات محلية تصفها دمشق بـ"العصابات المتمردة" وجاء هذا التصعيد الجديد بعد أيام فقط من إعلان هدنة هشة، سرعان ما تهاوت أمام تبادل الاتهامات بين الطرفين بخرقها، ما أدخل المنطقة مجددًا في حالة من الاحتقان الشديد.

وبحسب ما نقلته قناة "الإخبارية السورية"، فإن المواجهات الأخيرة اندلعت عقب ما قالت السلطات إنه "اعتداءات متواصلة" من قبل مجموعات مرتبطة بشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، على مواقع الأمن العام في ريف المحافظة الغربي.

 وتؤكد المصادر الحكومية، أن هذه الاعتداءات استمرت لليوم الثالث على التوالي، في مؤشر على توسّع رقعة التوتر وغياب أي بوادر لاحتوائه.

تناقض السرديات


على الضفة المقابلة، تسود روايات مختلفة تتداولها صفحات محلية مثل "السويداء 24" و"الراصد"، والتي تفيد بأن القوات الحكومية هي من بادرت بالتصعيد، عبر استهداف قرية المجدل خلال اليومين الماضيين باستخدام أسلحة متوسطة وطائرات مسيّرة وقذائف الهاون. 

وتذهب بعض المصادر الميدانية إلى حد القول: "إن الهدف من التصعيد هو تمهيد الطريق لاقتحام القرية وفتح جبهات جديدة على أطراف المدينة، في خطوة تُعد الأخطر منذ أشهر".

هذا التناقض في السرديات يعكس حجم الشرخ القائم بين المجتمع المحلي والسلطة المركزية، إذ لا توجد رواية موحّدة يمكن الاستناد إليها، بينما يعمل كل طرف على تثبيت وجهة نظره في المعركة الإعلامية الموازية، وفي ظل غياب تحقيق مستقل أو وسيط موثوق، يبقى المشهد مفتوحًا على مزيد من الالتباس.

وتأتي هذه التطورات في سياق عام يتسم بتصاعد التوتر بين السويداء ودمشق منذ الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة في يوليو الماضي، تلك الأحداث تركت آثارًا عميقة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الإنساني، حيث اضطر آلاف السكان للنزوح عن قراهم وبلداتهم بعد انهيار الأمن، وما زال كثير منهم يعيشون في ظروف قاسية بانتظار فرصة العودة إلى منازلهم التي تضررت أو دُمّرت بالكامل.

موقف الهجري


في مقابل هذه المعاناة، يتمسّك الشيخ حكمت الهجري بموقفه الرافض للدخول في أي حوار مع دمشق ما لم تتغير المعادلات الأمنية والسياسية بالكامل، ويؤكد الهجري في مواقفه العلنية أن أبناء السويداء يمتلكون "حقًا قطعيًا" في تقرير مصيرهم، ويذهب أبعد من ذلك حين يشدد على أن رؤيته تقوم على "الاستقلال التام" للمحافظة في إدارة شؤونها الأمنية والإدارية بعيدًا عن سلطة المركز، وهي تصريحات تزيد من حدة التوتر وتُحرج الحكومة التي ترى في مثل هذه الدعوات تهديدًا لوحدة الدولة.

ومن بين أبرز الملفات التي يطرحها الهجري وفق تصريحات لوسائل إعلام محلية، هو ملف المخطوفين، إذ يقول: إن عددهم تجاوز 600 شخص، بينهم نساء، وإن الحكومة في دمشق تعرقل أي مفاوضات جادة بشأن قضيتهم، بالنسبة للمجتمع المحلي، بات ملف المختطفين أحد أكبر أسباب الاحتقان، خصوصًا مع تزايد الشعور بأن الدولة لا تبذل ما يكفي لمعالجة القضية.

وترد الحكومة بأن هذه الاتهامات "غير دقيقة" وتشدد على التزامها بحماية المدنيين، لكنها في الوقت نفسه لم تقدّم خطوات ملموسة لطمأنة السكان أو تهدئة المخاوف المتصاعدة، ما يجعل إمكانية استعادة الثقة بين الطرفين شبه معدومة في الوقت الراهن.

مع ذلك، لا تبدو الصورة قاتمة بالكامل، إذ ما تزال بعض القوى المحلية تحاول لعب دور الوسيط لمنع انزلاق الوضع نحو مواجهة شاملة، لكن المؤشرات الميدانية، من تصاعد الذخيرة المستخدمة إلى اتساع رقعة الاشتباكات، تشير إلى أن السويداء أمام منعطف حاسم قد يحدد مستقبل العلاقة بين المحافظة والعاصمة لسنوات طويلة قادمة.