السلام المؤجل في السودان.. من يشعل نار الحرب؟

السلام المؤجل في السودان.. من يشعل نار الحرب؟

السلام المؤجل في السودان.. من يشعل نار الحرب؟
الحرب السودانية

في خضم واحدة من أكثر الحروب دموية وتعقيدًا في تاريخ السودان الحديث، أعلنت قوات التأسيس قبولها بهدنة إنسانية جديدة برعاية دولية، لتفتح نافذة أمل صغيرة في جدار صراع أرهق البلاد لأكثر من عامين، الهدنة المقترحة من قبل "الرباعية الدولية"، التي تضم الولايات المتحدة، والإمارات، والسعودية، ومصر، تبدو محاولة جديدة لتجنيب المدنيين مزيدًا من الدمار، لكنها تأتي في وقت تتآكل فيه الثقة بين أطراف النزاع وتتعمّق الشكوك حول جدية الالتزام بأي اتفاق، ورغم الترحيب الظاهري، فإن المشهد الميداني والسياسي في السودان ما يزال محكومًا بمنطق القوة لا التفاهم، فيما تتزايد الاتهامات المتبادلة بين الجيش والدعم السريع بشأن عرقلة جهود السلام، وبينما ينشغل المجتمع الدولي بترتيب مسار هدنة مؤقتة، تتكشّف في الداخل صراعات نفوذ ومصالح متشابكة تُهدد بتحويل الحرب إلى أزمة وجودية تطال بنية الدولة نفسها.

موافقة قوات التأسيس


تبدو موافقة قوات التأسيس على هدنة الرباعية خطوة محسوبة بعناية أكثر من كونها تنازلًا سياسيًا، ففي بيانها الرسمي، حرصت على تأكيد أن الهدف هو تلبية تطلعات الشعب السوداني وضمان حماية المدنيين، غير أن خلف هذا الخطاب الإنساني تقف حسابات ميدانية دقيقة تتعلق بإعادة التموضع وإعادة ترتيب الأوراق في مواجهة الجيش السوداني الذي لا يزال يراهن على الحسم العسكري.

تتزامن هذه التطورات مع تصاعد الضغوط الأمريكية والإقليمية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المسار الإنساني في السودان، بعد أن بلغ عدد النازحين ملايين المدنيين، وتحوّلت مدن مثل الفاشر والجنينة إلى رموز لأزمة إنسانية مفتوحة.

من المسئول؟


في هذا السياق، يحمّل شهاب إبراهيم الطيب، المتحدث باسم حزب التحالف الوطني السوداني، قيادة الجيش المسؤولية عن إطالة أمد الحرب، مؤكدًا أن المؤسسة العسكرية "تهربت مرارًا من استحقاقات وقف إطلاق النار".

ويرى الطيب، أن اتفاقي جدة، اللذين رعتهما السعودية والولايات المتحدة، كانا بمثابة فرصة ذهبية للسلام، غير أن الجيش – بحسب تعبيره – "أفشلها بقرارات ارتجالية وانسحابات مفاجئة"، ما فتح الباب أمام استمرار الحرب وتحولها إلى مأساة إنسانية غير مسبوقة.

ويضيف الطيب -في حديثه لوسائل إعلام إقليمية-، أن التعقيد الحقيقي في الأزمة السودانية لا يرتبط فقط بعجز الأطراف عن التوصل لتسوية، بل في تشابك المصالح الداخلية وتعدد القوى المسلحة، مشيرًا إلى وجود أكثر من 70 حركة مسلحة تنشط اليوم إلى جانب الجيش أو ضده، بعضها ذات خلفيات قبلية أو اقتصادية، هذا التشابك جعل من الصراع مساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، وحوّل بعض الحركات الثورية السابقة إلى “كارتيلات فساد” تبحث عن مكاسب سريعة تحت لافتة الحرب.

أما على المستوى الإقليمي، فقد أعادت الأزمة السودانية رسم خريطة التحالفات في القرن الأفريقي. فبينما تؤكد الإمارات والسعودية ومصر أن لا حل عسكريًا للأزمة، لا تزال أطراف داخل السودان تراهن على فرض واقع جديد بالقوة. الموقف الإماراتي تحديدًا حظي بتقدير الأوساط المدنية، إذ شددت أبوظبي على ضرورة التزام جميع الأطراف بحماية المدنيين وفتح الممرات الإنسانية فورًا، معتبرة أن استمرار الحرب سيؤدي إلى انهيار السودان بالكامل وتمدّد الفوضى في محيطه الإقليمي.

عودة الإخوان


ويحذر الطيب من العودة المقنّعة للإسلاميين الذين يسعون إلى استغلال الحرب للعودة إلى الحكم عبر الجيش، ويتهم التيار الإسلامي الراديكالي بالسعي لإعادة إنتاج نظام ما قبل 2019، مستفيدًا من حالة الانقسام العسكري والسياسي، بل ومن تحالفات تمتد إلى خارج السودان تشمل جماعات في اليمن وإيران، ويصف هذا المسار بأنه خطر وجودي يعيد السودان إلى دائرة العزلة والعقوبات الدولية.