البيت الأمني الإسرائيلي يتصدّع.. صراع خفي بين الشاباك والجيش الإسرائيلي
البيت الأمني الإسرائيلي يتصدّع.. صراع خفي بين الشاباك والجيش الإسرائيلي
في واحدة من أكثر اللحظات توترًا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منذ انتهاء الحرب الأخيرة على غزة، تفجّر خلاف علني بين رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" ديفيد زيني، ورئيس أركان الجيش إيال زامير، خلال اجتماع مغلق في مكتب بنيامين نتنياهو.
المشهد الذي بدا كجدال عابر سرعان ما تحول إلى صدام مفتوح بين جهازين يشكّلان عماد الأمن الإسرائيلي، تدخل نتنياهو شخصيًا لاحتواء الأزمة، لكنّ الحادثة كشفت ما هو أعمق من خلاف إداري، إنها مواجهة بين رؤيتين متناقضتين لإدارة المرحلة الأمنية المقبلة، إحداهما ترى في "الشاباك" جهازًا فاعلًا يتجاوز حدود جمع المعلومات، والأخرى تعتبر أن الجيش هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الملفات العملياتية، هذا الشرخ الجديد داخل البنية الأمنية الإسرائيلية يثير تساؤلات حول تماسك مؤسسات الدولة العبرية في لحظة حرجة تتطلب وحدة القرار، لا تنازع الصلاحيات.
صراع القوى
لم يكن الاجتماع الأمني الأخير في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي حدثًا عاديًا، فبحسب ما كشفت القناة 12 العبرية، شهد اللقاء الذي ضم نتنياهو، رئيس الأركان إيال زامير، ورئيس جهاز "الشاباك" ديفيد زيني، مشادة كلامية حادة تطلبت تدخل رئيس الوزراء نفسه لإنهائها.
الشرارة الأولى اندلعت حين وجّه زامير انتقادًا مباشرًا لزيني متهمًا إياه بتجاوز صلاحياته، خصوصًا في ما يتعلق بملفات تخصّ غزة والضفة الغربية، فبينما يرى الجيش أن التقديرات والتحذيرات الميدانية من اختصاصه الحصري، يتعامل "الشاباك" مع الأمر بوصفه امتدادًا لعمله في المجال الاستخباري الميداني.
ورد زيني بدفاع قوي عن دور جهازه، معتبرًا أن الأمن الداخلي لم يعد مجرد ذراع استخباري داخل الحدود، بل طرف أساسي في رصد التحركات الإقليمية وتقييم التهديدات المعقدة، خاصة في بيئة ما بعد الحرب، عندها قاطعه زامير بنبرة حادة قائلاً: "ما هو دور الشاباك هناك؟ ما هي صلاحياتكم بالضبط؟ الجيش هو من يصدر التحذيرات وليس أنتم".
لحظات من الصمت سادت القاعة، قبل أن يتدخل نتنياهو بقوله: "يجب أن نتوصل إلى آلية عمل مشتركة".
نفوذ أجهزة نتنياهو
ورغم محاولة رئيس الوزراء تهدئة الموقف، فإن تسريب تفاصيل الاجتماع إلى وسائل الإعلام لم يكن عرضيًا، فالمصادر الأمنية التي تحدثت للقناة الإسرائيلية أكدت أن ما جرى لم يكن حادثًا معزولًا، بل تتويجًا لتراكمات بدأت منذ تعيين ديفيد زيني رئيسًا لـ"الشاباك" دون تنسيق مع قيادة الجيش، هذا القرار اعتبره زامير "إشارة سياسية" من نتنياهو تعزز نفوذ الأجهزة المرتبطة بمكتبه على حساب المؤسسة العسكرية.
وتشير تقارير أخرى إلى أن زيني عقد عدة اجتماعات سرّية مع نتنياهو تناولت ملفات حساسة تتعلق بغزة وإيران دون علم رئيس الأركان، وهو ما فاقم الشعور داخل قيادة الجيش بأن مكتب رئيس الوزراء بات يستخدم "الشاباك" كأداة موازية أو حتى منافسة في رسم السياسة الأمنية.
أزمة صلاحيات أم صراع نفوذ
يرى مراقبون في تل أبيب، أن الخلاف الأخير يتجاوز الجانب الإداري إلى صراع نفوذ أوسع بين المؤسستين، فمنذ حرب غزة الأخيرة، يحاول "الشاباك" توسيع دوره في مرحلة ما بعد الحرب، خصوصًا في إدارة الاتصالات مع القيادات المحلية داخل القطاع وتقدير المواقف الأمنية الميدانية، في المقابل، يشعر الجيش بأن هذا التمدد يهدد مكانته كصاحب القرار النهائي في تحديد الخطط الأمنية والعسكرية.
المصادر الأمنية التي تحدثت للقناة 12 أكدت، أن التوتر الحالي هو "انعكاس لفوضى القيادة" في عهد نتنياهو، الذي كثيرًا ما يُتّهم بإدارة مؤسسات الدولة عبر سياسة "المربعات المنفصلة"، بحيث يبقي الأجهزة الأمنية في حالة تنافس تمنحه السيطرة على القرار النهائي.
لكن هذه السياسة، وفق المراقبين، بدأت تفقد فاعليتها مع تزايد الاحتكاك بين المسؤولين الأمنيين، خصوصًا في الملفات التي تتطلب تنسيقًا عاليًا مثل غزة والضفة والحدود الشمالية مع لبنان.
انعكاسات على غزة والمرحلة المقبلة
الخبراء الإسرائيليون يحذرون من أن الخلاف بين زامير وزيني قد ينعكس سلبًا على الأداء الأمني في المرحلة الانتقالية في غزة، فملف "من يحكم غزة" بعد الحرب ما زال غامضًا، وسط خلافات بين الجيش، "الشاباك"، والموساد حول الجهة الأنسب لإدارة الاتصالات مع الأطراف الفلسطينية، ومع استمرار هشاشة الوضع الميداني، قد يؤدي غياب التنسيق إلى ثغرات أمنية خطيرة أو حتى إلى فشل إدارة المرحلة القادمة.
وفي ختام الجلسة، أكد نتنياهو ضرورة وضع آلية تنسيق واضحة بين المؤسستين لتفادي تضارب الصلاحيات مستقبلًا. لكن وفق مصادر مطلعة، فإن التوتر ما زال قائمًا رغم محاولات احتوائه، وأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تمر بمرحلة "إعادة تعريف" لصلاحياتها في ظل قيادة سياسية متقلبة.

العرب مباشر
الكلمات