كتلة التغيير.. هل تسقط المعارضة الإسرائيلية نتنياهو من الداخل؟

كتلة التغيير.. هل تسقط المعارضة الإسرائيلية نتنياهو من الداخل؟

كتلة التغيير.. هل تسقط المعارضة الإسرائيلية نتنياهو من الداخل؟
نتنياهو

تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية هذه الأيام حراكًا غير مسبوق داخل صفوف المعارضة، التي قررت الخروج من حالة التشرذم وتوحيد جهودها في جبهة تحمل اسم "كتلة التغيير"، هذه الخطوة تأتي في لحظة فارقة تعيشها إسرائيل وسط أزمة ثقة متفاقمة بالحكومة، واحتجاجات شعبية متكررة، وتحديات أمنية وسياسية تتجاوز حدود الداخل إلى المشهد الإقليمي المتوتر.

 بالنسبة إلى قادة المعارضة، لم يعد هدفهم مجرد تسجيل موقف احتجاجي من سياسات بنيامين نتنياهو، بل التحول إلى بديل فعلي قادر على منافسة الائتلاف الحاكم في الانتخابات المقبلة المقررة في أكتوبر 2026، ومع انضمام شخصيات بارزة مثل يائير لابيد وأفيجدور ليبرمان وجادي آيزنكوت ويائير جولان، تتضح ملامح مشروع سياسي يسعى إلى إعادة رسم قواعد اللعبة في إسرائيل عبر صياغة برنامج للحكم، دستور جديد، وخدمة وطنية شاملة. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تستطيع المعارضة المتباينة فكريًا أن تشكّل جبهة صلبة تسقط نتنياهو من الداخل؟

كتلة التغيير


قرار المعارضة الإسرائيلية تشكيل "كتلة التغيير" لا يُنظر إليه على أنه مجرد اصطفاف تكتيكي قصير المدى، بل محاولة جادة لبناء إطار سياسي طويل الأمد يمكنه منافسة هيمنة بنيامين نتنياهو الممتدة منذ أكثر من عقدين.

مراقبون أكدوا، أن هذا التحرك يعبّر عن إدراك متزايد لدى قادة المعارضة بأن نجاحهم في إسقاط الحكومة الحالية يتطلب أكثر من مجرد انتقاد السياسات أو الاعتماد على أخطاء الائتلاف الحاكم، بل يحتاج إلى بديل منظم ومتماسك يحمل برنامجًا سياسيًا قابلاً للتطبيق.

تضم الكتلة شخصيات سياسية من اتجاهات متباينة، يائير لابيد، الصحفي السابق وزعيم حزب "يش عتيد"، الذي يمثل التيار الوسطي، أفيجدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" المعروف بمواقفه القومية المتشددة، جادي آيزنكوت، القائد العسكري السابق الذي أسس حزبًا جديدًا يرتكز على خبرات النخب الأمنية والتكنولوجية؛ ويائير جولان، الذي ينتمي إلى المعسكر الديمقراطي اليساري.

إسقاط نتنياهو


على الرغم من اختلاف مرجعياتهم الفكرية، إلا أن ما يجمعهم اليوم هو هدف واحد، إنهاء حقبة نتنياهو، فوفقًا لصحيفة جيروزاليم بوست، اتفقت الأطراف على إنشاء هيئة مهنية تُعِد مبادئ توجيهية للحكومة المقبلة، بما في ذلك صياغة دستور طالما تأجل في إسرائيل، وتطبيق خدمة وطنية شاملة، وضمان الحفاظ على هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وصهيونية، هذه النقاط ليست مجرد تفاصيل إجرائية، بل تمثل محاولة لتقديم رؤية شاملة لمستقبل الدولة العبرية في ظل الأزمات المتشابكة داخليًا وخارجيًا.

اللافت، أن هذا التحالف الجديد يسعى أيضًا إلى جذب أسماء إضافية من الوزن الثقيل مثل نفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق الذي يمتلك خبرة في إدارة الائتلافات المعقدة، وبيني جانتس، وزير الدفاع السابق وعضو "مجلس الحرب" الإسرائيلي الذي يحظى بسمعة جيدة في الأوساط الأمنية.

انضمام هاتين الشخصيتين، إن تحقق، قد يضفي على "كتلة التغيير" ثِقلاً إضافيًا يجعلها قادرة على منافسة نتنياهو بشكل فعلي في صناديق الاقتراع.

لكن على الرغم من الزخم الذي تحاول المعارضة خلقه، تظل أمامها تحديات بنيوية كبيرة، فالخلافات الأيديولوجية بين أطرافها قد تتحول إلى عقبة أمام صياغة برنامج متماسك، فليبرمان، المعروف بتشدده تجاه الأقلية العربية في إسرائيل، قد يجد نفسه على طرف نقيض مع شخصيات يسارية تدعو إلى تعزيز المساواة المدنية، كذلك فإن لابيد، الذي يسعى إلى مخاطبة الطبقة الوسطى، قد يختلف مع آيزنكوت القادم من خلفية أمنية تسعى إلى تعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها.

من ناحية أخرى، يمتلك نتنياهو خبرة طويلة في تفكيك التحالفات المعارضة، وغالبًا ما يستخدم أدواته الإعلامية والسياسية لتأليب الرأي العام ضد خصومه ووصمهم بعدم الجدية أو الانقسام.

كما أن الائتلاف الحاكم، رغم الأزمات التي يواجهها، ما يزال يستند إلى قاعدة يمينية قوية تشعر بأن أي بديل قد يهدد سياساتها الأمنية والدينية.

على المستوى الشعبي، يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة استقطاب حاد منذ سنوات، تفاقمت مع الحرب الأخيرة في غزة والضغوط الاقتصادية المتزايدة.

هذه الأوضاع قد تمنح المعارضة فرصة لتصوير نفسها كقوة قادرة على إنقاذ الدولة من أزماتها، لكنها قد تُضعفها أيضًا إذا فشلت في تقديم رؤية موحدة.

وبالنظر إلى الجدول الزمني، فإن الانتخابات المقبلة المقررة في أكتوبر 2026 تمنح المعارضة أكثر من عام كامل لترتيب صفوفها وبناء خطاب سياسي متماسك، وإذا نجحت في الحفاظ على وحدتها، فقد تتحول "كتلة التغيير" إلى قوة انتخابية لا يُستهان بها. 

تهدد استمرار نتنياهو


من جانبه، يقول د. محمد عبود، أستاذ الدراسات الإسرائيلية: إن تشكيل "كتلة التغيير" يعكس إدراكًا متزايدًا داخل المعارضة بأن إسقاط نتنياهو لن يتحقق من خلال الاحتجاجات أو المناورات البرلمانية وحدها، بل عبر بناء مشروع سياسي بديل يقدّم للإسرائيليين رؤية واضحة لمستقبل الدولة. 

ويشير عبود في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ما يميز هذه المبادرة هو محاولتها صياغة برنامج شامل يتجاوز القضايا التكتيكية، ليمسّ جذور النظام السياسي الإسرائيلي مثل الدستور والخدمة الوطنية وهيكل الحكم.

ويضيف عبود، أن نجاح هذه الكتلة يعتمد على قدرتها على تجاوز خلافاتها الداخلية، خصوصًا أن التنوع الأيديولوجي بين أعضائها قد يتحول إلى نقطة ضعف إذا لم يتم توحيد المواقف حول قضايا حساسة كالأمن والاقتصاد والعلاقة مع الفلسطينيين.

كما يلفت، أن نتنياهو سيحاول استثمار أي خلاف داخلي لتقويض مصداقية المعارضة. 

ومع ذلك، يرى عبود، أن اللحظة السياسية الحالية مواتية، خاصة مع تراجع شعبية الحكومة بسبب الأزمات الأمنية والاقتصادية،.

 يختتم عبود، "إذا تمكنت الكتلة من تقديم خطاب موحد وجذاب، فقد نشهد أول انتخابات جدية تهدد استمرار نتنياهو في الحكم منذ سنوات".