إيران على حافة العطش.. أزمة مائية غير مسبوقة تهدد مستقبل البلاد
إيران على حافة العطش.. أزمة مائية غير مسبوقة تهدد مستقبل البلاد

تواجه إيران أزمة مائية هي الأشد في تاريخها الحديث، نتيجة تداخل عوامل التغير المناخي والعقوبات الدولية وسوء الإدارة الحكومية؛ ما أدى إلى تراجع مخزون السدود وانهيار البنية التحتية وتدهور الموارد الطبيعية إلى مستويات تهدد حياة السكان ومستقبل الاقتصاد الوطني، حسبما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية.
مشهد يومي من الانقطاعات والجفاف
وأكدت الصحيفة، أن مدن رئيسية مثل طهران وأصفهان تعاني انقطاعات متكررة في الكهرباء والمياه، بينما تجف البحيرات التاريخية وتزداد ظاهرة الهبوط الأرضي التي تشق الطرق وخطوط السكك الحديدية وتلحق أضرارًا بالمؤسسات الحيوية بما فيها المدارس والمساجد.
العاصمة نفسها تواجه خطر العطش مع تراجع مستويات السدود الثلاثة الرئيسية وفشل حملات الترشيد، ما دفع السلطات لبحث وقف أعمال البناء لسنتين.
اعتراف رسمي بحجم الكارثة
واكدت شينا أنصاري نائبة الرئيس الإيراني ورئيسة منظمة حماية البيئة، أن درجات الحرارة ارتفعت بمعدل 1.8 درجة مئوية خلال ثلاثة عقود، وأن معدلات الهطول المطري انخفضت 30% خلال السنوات الخمس الماضية.
وتشير إلى أخطاء استراتيجية مثل: إنشاء صناعات كثيفة الاستهلاك للمياه في مناطق جافة، وتوطين السكان في بيئات فقيرة بالموارد المائية، مؤكدة ضرورة تغيير الأنماط الزراعية رغم حساسيتها الاجتماعية.
بحيرة أرومية نموذج صارخ للتدهور
وتحولت بحيرة أرومية في شمال غرب إيران، التي كانت أكبر بحيرة مالحة في الشرق الأوسط، إلى سرير ملحي شبه جاف بعد أن كان عمقها عدة أمتار.
خبراء البيئة يحذرون من أن جفافها سيفضي إلى عواصف ملحية وزيادة حرارة المنطقة وانتشار الأمراض وهجرة السكان، في تكرار محتمل لكارثة بحر آرال، بفعل التوسع الزراعي المفرط وحفر الآبار غير المرخصة واعتماد طرق ري بدائية.
الزراعة بين الاستهلاك العالي والعائد المحدود
وتستهلك الزراعة 88% من المياه في إيران لكنها تسهم فقط بنسبة تتراوح بين 10 و12% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويرى الخبراء، أن الحل يكمن في تقليص حصة المياه المخصصة لهذا القطاع إلى النصف تقريبًا والتحول إلى محاصيل أقل استهلاكًا للمياه، لكن هذه التحولات تواجه تعقيدات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
العودة إلى خبرات الأجداد
ودعت أنصاري إلى الاستفادة من خبرات المدن التاريخية مثل: نائين ويزد وكرمان، حيث استخدمت القنوات الجوفية وأبراج الهواء في ترشيد المياه وتبريد المباني.
وترى، أن إيران أخطأت باتباع نماذج تنموية غربية على مدى قرن، وأن الحل يكمن في دمج الدروس التاريخية مع التقنيات الحديثة لإدارة المياه والطاقة.
تحرك حكومي نحو الطاقة المتجددة
واضافت الصحيفة البريطانية، أنه رغم كون إيران من أكبر مصدري النفط والغاز في العالم، بدأت السلطات تعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة.
وتستهدف الحكومة توليد 12 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية والرياح بحلول 2028، بينما رفع الرئيس مسعود پزشكيان السقف إلى 30 ألف ميغاواط خلال أربع سنوات، وافتتح بنفسه محطة شمسية ضخمة تابعة لشركة فولاذ مباركة.
كما تعمل وزارة البيئة على الحد من حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط الذي يطلق ملايين الأطنان من الغازات المسببة للاحتباس الحراري سنويًا.
تحديات التكيف مع المناخ والعقوبات
حذر التقرير من أن سرعة التغير المناخي قد تفوق قدرة إيران على التكيف في ظل العقوبات والانقسامات المؤسسية في إدارة الموارد المائية.
وتؤكد أنصاري، أن البيئة يجب أن تُستثنى من العقوبات لأنها قضية تمس البشرية كلها.
صورة بلد على حافة أزمة وجودية
تجسد أزمة المياه في إيران تداخلاً معقدًا بين تغير المناخ والسياسات الاقتصادية والتوسع الزراعي والعمراني، ما يخلق تحديًا وجوديًا يتطلب إرادة سياسية وتعاونًا دوليًا عاجلاً قبل أن تتحول موجات الجفاف إلى كارثة دائمة.