زيارة الشيخ محمد بن زايد للقاهرة.. تعاون اقتصادي ودبلوماسية قوية في لقاء الأشقاء

زيارة الشيخ محمد بن زايد للقاهرة.. تعاون اقتصادي ودبلوماسية قوية في لقاء الأشقاء

زيارة الشيخ محمد بن زايد للقاهرة.. تعاون اقتصادي ودبلوماسية قوية في لقاء الأشقاء
الرئيسان المصري والإماراتي

في لحظة فارقة من تصاعد التوتر الإقليمي، تحوّل قصر الاتحادية في القاهرة إلى منصة دبلوماسية مفتوحة على ملفات المنطقة، حيث استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في لقاء حمل أبعادًا تتجاوز حدود العلاقات الثنائية التقليدية، فالمحادثات لم تقتصر على إعادة تأكيد عمق الشراكة بين القاهرة وأبوظبي، بل امتدت لتشكل خريطة طريق جديدة لمرحلة تتسم بتشابك الملفات، بدءًا من الحرب المستعرة في غزة، وصولًا إلى تحديات الاقتصاد المصري وجاذبية الاستثمارات الخليجية، كان واضحًا أن القمة تحمل في طياتها مزيجًا من الدبلوماسية الصلبة والرسائل الموجهة لأطراف دولية وإقليمية، في وقت تحاول فيه العواصم الكبرى إعادة رسم موازين القوى في الشرق الأوسط.

العلاقات الثنائية.. شراكة راسخة تتجدد

منذ اللحظة الأولى للقاء، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن القاهرة تعتبر أبوظبي شريكًا استراتيجيًا على جميع المستويات، فقد أشاد بالطفرة التي تشهدها الاستثمارات الإماراتية في مصر، خاصة في مجالات التجارة والطاقة والبنية التحتية، موضحًا التزام الدولة المصرية بتذليل كافة العقبات أمام المستثمرين الإماراتيين.

في المقابل، أثنى الشيخ محمد بن زايد على بيئة الاستثمار المصرية، معتبرًا أنها أصبحت أكثر جذبًا، وأن الجهود المبذولة لتحسين مناخ الأعمال تعكس رؤية مصرية واعية.

هذا التبادل في الإشادة ليس جديدًا، لكنه يعكس إدراكًا متبادلًا بأن التعاون الاقتصادي بات يشكّل ركيزة أساسية للعلاقات السياسية بين القاهرة وأبوظبي، بما يضمن قدرًا من الاستقرار الاقتصادي الذي تحتاجه المنطقة في ظل الأزمات المتصاعدة.

ملف غزة.. دعم واضح لمبادرة ترامب

في قلب المحادثات برز الملف الأكثر سخونة، الحرب في غزة، فقد أعلن الزعيمان ترحيبهما الصريح بالمبادرة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف القتال، في خطوة اعتُبرت إشارة قوية إلى استعداد القاهرة وأبوظبي للعمل مع واشنطن في إعادة تشكيل مسار التسوية.

الدعم المصري – الإماراتي لهذه المبادرة يأتي في وقت تواجه فيه المنطقة مأزقًا استراتيجيًا، حيث ما تزال غزة تحت وقع أزمة إنسانية غير مسبوقة، بينما تتخوف دول الجوار من ارتدادات أمنية واقتصادية.

وبالنسبة لمصر، التي تتقاسم حدودًا مباشرة مع القطاع، فإن وقف الحرب ليس مجرد مطلب إنساني بل ضرورة أمنية لضمان استقرار سيناء. أما الإمارات، فتسعى من خلال هذا الموقف إلى تعزيز دورها كلاعب إقليمي قادر على المساهمة في صناعة السلام.

الأبعاد الإقليمية والدولية للقاء

من جانبه، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية: إن هذه القمة تندرج في سياق تحركات أوسع لإعادة التموضع في المنطقة، فإعلان الدعم لمبادرة ترامب لا ينفصل عن رغبة البلدين في توثيق الشراكة مع الإدارة الأميركية، التي تسعى بدورها إلى تحقيق اختراق سياسي في ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وأضاف -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن القاهرة وأبوظبي تدركان أن استمرار الحرب في غزة قد يفتح الباب أمام تدخلات إقليمية أوسع، لا سيما من جانب إيران ووكلائها، ما يجعل التوصل إلى وقف لإطلاق النار مصلحة مشتركة.

وأشار فهمي، أن اللقاء حمل رسائل غير مباشرة لدول أخرى في المنطقة، أبرزها تركيا وقطر، اللتين تواصلان تقديم دعم سياسي وإعلامي لحركة حماس، وبذلك، فإن الاصطفاف المصري – الإماراتي خلف مبادرة ترامب يعكس أيضًا تنافسًا على لعب دور الوسيط الأكثر تأثيرًا في مستقبل القطاع.

استثمارات ورسائل استقرار

الشق الاقتصادي في المحادثات لم يكن أقل أهمية من الملف السياسي، بل مثّل محورًا جوهريًا في أجندة القمة المصرية – الإماراتية، إلى جانب تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على حرص مصر على تذليل كافة العقبات أمام تدفق الاستثمارات الإماراتية.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، أن القاهرة تنظر إلى هذه الشراكة بوصفها أمرًا لا بديل عنه على الجانب الاقتصادي والاستراتيجي في مرحلة دقيقة تتسم بارتفاع تكاليف المعيشة وضغوط الديون وتحديات تأمين النقد الأجنبي. 

ويضيف الإدريسي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن الإمارات، من جانبها، لا تنظر إلى استثماراتها في مصر كصفقات تجارية بحتة، بل كاستثمار في استقرار إقليمي أوسع ينعكس على مصالحها الأمنية والاقتصادية في الخليج والبحر الأحمر.

الإدريسي أوضح، أن القطاعات المستهدفة من جانب الاستثمارات الإماراتية تشمل مجالات استراتيجية مثل: الطاقة المتجددة، والموانئ والنقل البحري، والعقارات، والخدمات المالية، وهي قطاعات يمكن أن تسهم في خلق فرص عمل مباشرة وتعزيز القدرة الإنتاجية لمصر، كما أن هذه الشراكة توفر للقاهرة متنفسًا يساعدها على تنفيذ إصلاحات اقتصادية تدريجية دون أن تضطر إلى خطوات تقشفية قاسية قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

ويشير الخبير إلى أن أبوظبي تدرك أن استقرار مصر يعني استقرار واحد من أكبر أسواق المنطقة وأكثرها تأثيرًا سياسيًا وديموغرافيًا، ومن ثم فهي تراهن على أن دعم القاهرة اقتصاديًا يقي المنطقة من سيناريوهات عدم الاستقرار التي قد تمتد تداعياتها إلى الخليج. 

ويخلص الإدريسي إلى أن الشق الاقتصادي من اللقاء لم يكن مجرد تبادل وعود، بل هو وضع حجر أساس لمرحلة جديدة من الاستثمارات الموجهة، تضع في اعتبارها الأبعاد الجيوسياسية بقدر ما تضع العائد المالي في الحسبان.