لبنان على حافة اشتباك داخلي.. طهران تحمي سلاح حزب الله وواشنطن تدفع لنزعه

لبنان على حافة اشتباك داخلي.. طهران تحمي سلاح حزب الله وواشنطن تدفع لنزعه

لبنان على حافة اشتباك داخلي.. طهران تحمي سلاح حزب الله وواشنطن تدفع لنزعه
حزب الله

في قلب التجاذبات السياسية التي لا تهدأ على الساحة اللبنانية، تعود مسألة "حصر السلاح بيد الدولة" لتتصدر المشهد، ولكن هذه المرة وسط تغيّرات جوهرية في الخطاب الرسمي، وضغوط خارجية متزايدة، ومواقف داخلية متصلبة، أبرزها: موقف حزب الله الذي يرى في هذا التوجّه "خطيئة كبرى"، وبينما تسعى الحكومة بقيادة نواف سلام إلى فرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، تتشابك خيوط الأزمة مع موقف المؤسسة العسكرية التي كُلّفت بوضع خطة تطبيقية لنزع السلاح قبل نهاية العام.

وبقدر ما تعكس الخطوة تحوّلًا نوعيًا في موقف الدولة، فهي تكشف أيضًا هشاشة التوافق الوطني في ظل الغياب شبه الكامل لإجماع سياسي حول قضية بهذا الحجم، ويأتي ذلك في وقت تواصل فيه إيران تأكيد دعمها لحزب الله، واضعة القرار في خانة "الخيارات السيادية" للحزب نفسه، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ قراراتها بمعزل عن التأثيرات الإقليمية والمعادلات الطائفية المعقدة.

*قرار تاريخي*


بين دفتيّ الواقع السياسي المتشظي في لبنان، تقف الحكومة الجديدة أمام تحدٍّ من العيار الثقيل: تنفيذ قرار تاريخي يقضي بحصر السلاح بيد الدولة، ما يعني عمليًا نزع سلاح حزب الله.

 وبينما تسعى الدولة لاستعادة زمام المبادرة في إدارة شؤون الأمن والسيادة، تبرز مجددًا معضلة السلاح غير الشرعي كعلامة فارقة على عجز الدولة عن فرض سلطتها على الأرض.

الرئيس اللبناني جوزيف عون لم يخفِ صعوبة هذا المسار، حين قال: إن "عملية حصر السلاح قد تأخذ وقتًا"، في إشارة ضمنية إلى حجم التعقيدات المحيطة بالملف.

تصريحاته جاءت بعد قرار الحكومة تكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة عملية لتنفيذ الحصر قبل نهاية العام، ما يُعدّ تطورًا نوعيًا في طريقة مقاربة المسألة، حيث تنتقل من إطار النقاشات السياسية إلى مربّع التنفيذ الفعلي.

*حزب الله يرفض*


غير أن هذا التحوّل واجه رفضًا مباشرًا من حزب الله، الذي اعتبر أن الحكومة ارتكبت "خطيئة كبرى"، متوعدًا بعدم التعاطي مع القرار، الحزب، وعلى لسان أمينه العام نعيم قاسم، أكد أن أي جدول زمني لنزع السلاح "لا يمكن أن يُفرض في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي"، مشددًا في الوقت ذاته على الاستعداد لمناقشة استراتيجية وطنية شاملة للأمن، لكن "ليس على وقع الضغط".

الرد العنيف من حزب الله يكشف عمق التوتر بين مشروع الدولة ومشروع "المقاومة"، إذ لا يبدو أن الحزب مستعدٌ للتخلي عن سلاحه أو حتى فتح حوار حقيقي حول ذلك خارج شروطه.

 وهو ما دفع مراقبين إلى الحديث عن ثلاثة سيناريوهات مرتقبة لموقف الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل): المشاركة الكاملة في جلسات الحكومة مع محاولة تعديل المسار من الداخل، أو المقاطعة الكاملة، أو الحضور الرمزي والانسحاب السياسي المبرمج بهدف نزع الشرعية عن أي قرار يُتخذ.

هذا التصلّب من حزب الله، يجد صدى ودعمًا صريحًا من طهران، فقد أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده "تدعم قرارات حزب الله عن بعد"، مشددًا على أن الحزب هو من يقرّر مصير سلاحه.

وذهب أبعد من ذلك حين قال: إن الحزب أعاد بناء قدراته بعد الحرب مع إسرائيل، و"سلاح المقاومة أثبت فعاليته في المعارك"، في تلميح واضح إلى أن نزع السلاح يُنظر إليه كاستهداف مباشر لمحور المقاومة الإقليمي.

وبين ضغوط أمريكية تدفع باتجاه بسط سلطة الدولة، ورفض داخلي مسلح يُكرّس منطق الدولة داخل الدولة، يجد رئيس الحكومة نواف سلام نفسه أمام اختبار وطني خطير. 

الرجل أكد أن حكومته "ملتزمة بأمن لبنان والدفاع عن سيادته"، لكنه أوضح أيضًا أن "السلاح يجب أن يكون فقط بيد الجيش وقوى الأمن".

 وفي ذلك محاولة لجمع التناقضات في صيغة توافقيّة، دون المسّ بجوهر القرار.

*معركة سيادة*


من جانبه، يرى فادي عاكوم المحلل السياسي اللبناني، أن مسألة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ليست مجرد قرار سياسي أو إجراء إداري، بل هي معركة سيادة بامتياز، تُختبر فيها جدية الدولة وقدرتها على فرض القانون على كامل أراضيها. 

ويضيف: "نحن أمام لحظة مفصلية، فإما أن تنتصر الدولة وتعيد الاعتبار إلى مؤسساتها الأمنية والعسكرية، أو تستمر حالة اللادولة التي طالما شكلت غطاءً للفوضى والتبعية الخارجية".

ويؤكد عاكوم في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن موقف حزب الله من القرار لا يخرج عن سياق المواجهة المستمرة بين مشروع الدولة ومشروع "المقاومة المسلحة المرتبطة إقليميًا"، مشيرًا أن الحزب "يتعامل مع الدولة كسلطة انتقائية، يهادنها حينًا، ويصطدم بها حين يشعر بتهديد وجودي".

كما يشدد عاكوم على أن موقف إيران الداعم لحزب الله يعمّق الأزمة، ويضع العراقيل أمام أي مسعى وطني جدي لإنهاء حالة ازدواجية السلاح، ويضيف: "حزب الله يدرك تمامًا أن نزع سلاحه سيجرده من ورقة القوة الأساسية التي تمنحه نفوذًا داخل الدولة وخارجها، ولهذا سيلجأ إلى كل أدوات الضغط السياسي والطائفي لإفشال هذه الخطة".

ويختم قائلًا: "إذا لم يُبنَ القرار الحكومي على توافق داخلي صلب ودعم دولي فاعل، فسيظل حبرًا على ورق، أو مجرد مناورة سياسية لتسكين الضغوط الخارجية".

*تقليص نفوذ طهران*


من جهته، يعتبر الدكتور محمد خيري، خبير في الشأن الإيراني أن موقف إيران من ملف حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ليس تفصيلًا عابرًا، بل هو مؤشر حاسم على طبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط طهران بحزب الله. 

ويقول: "إيران تنظر إلى سلاح حزب الله باعتباره امتدادًا مباشرًا لقدرتها على التأثير في معادلات القوة الإقليمية، لذلك فإن أي خطوة تهدف إلى نزع هذا السلاح تعني تلقائيًا تقليص نفوذها في المشرق العربي".

ويضيف خيري في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني التي شددت على دعم "قرارات حزب الله عن بُعد" تعكس موقفًا مزدوجًا: "من جهة، تتظاهر طهران بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، لكنها في الواقع تضع فيتو غير معلن على أي مسار يقود إلى تجريد الحزب من سلاحه".

ويتابع: "إيران ترى أن قدرة حزب الله على الاحتفاظ بسلاحه هي رصيد استراتيجي في مواجهتها المفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة، بل وحتى مع بعض الدول العربية".

كما يحذر خيري، من أن أي تصعيد داخلي لبناني حول هذا الملف قد يُستغل لتوسيع رقعة التوتر الإقليمي، ويختم قائلًا: "إيران لن تسهّل هذا المسار، بل قد تدفع حلفاءها إلى تصعيد سياسي أو حتى ميداني إذا رأت أن مصالحها مهددة بشكل جدي".