إسرائيل توسّع جبهاتها.. غارات على صنعاء والجوف تفتح بوابة جديدة للصراع

إسرائيل توسّع جبهاتها.. غارات على صنعاء والجوف تفتح بوابة جديدة للصراع

إسرائيل توسّع جبهاتها.. غارات على صنعاء والجوف تفتح بوابة جديدة للصراع
قصف صنعاء

في مشهد يعكس اتساع رقعة الصراع الإقليمي، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي، فجر الأربعاء، سلسلة غارات على العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظة الجوف، مستهدفًا مواقع تقول تل أبيب إنها تابعة لجماعة الحوثيين، فيما وصفت الجماعة الهجوم بأنه عدوان سافر أوقع عشرات الضحايا.

 هذه الضربات، التي تأتي بعد أسابيع من مقتل رئيس حكومة الحوثيين وعدد من أعضائها في غارة مماثلة، تحمل دلالات أعمق من مجرد عملية عسكرية محدودة، إذ تشير إلى أن الصراع بين إسرائيل وحلفاء إيران في المنطقة لم يعد محصورًا بجبهات غزة ولبنان وسوريا، بل امتد إلى اليمن، أحد أبرز مراكز نفوذ طهران في الجزيرة العربية، وبينما تؤكد إسرائيل أن عملياتها تهدف إلى كبح خطر الطائرات المسيّرة والصواريخ الحوثية التي تستهدف أراضيها وممرات الملاحة، يرى مراقبون أن الهجوم يعكس انتقال الحرب إلى مستوى إقليمي أكثر تعقيدًا، تتقاطع فيه الأبعاد العسكرية مع الحسابات السياسية والدبلوماسية.

دمارًا واسعًا


تسببت الغارات الإسرائيلية على صنعاء والجوف في مقتل 9 أشخاص وإصابة أكثر من 118 آخرين، وفق حصيلة أولية أعلنتها وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وقد طالت الهجمات مقرات عسكرية وإعلامية ومخازن وقود، إلى جانب مبانٍ مدنية، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام محلية، وأظهرت صور بثتها قنوات يمنية من داخل العاصمة دمارًا واسعًا في محيط مبنى التوجيه المعنوي التابع للجماعة، وسط حديث عن تضرر منازل سكنية مجاورة.

في الوقت الذي وصفت فيه جماعة الحوثي الغارات بأنها دليل على فشل إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، أكدت تل أبيب أن أهداف الضربات كانت عسكرية بحتة. 

القناة 12 الإسرائيلية ذكرت، أن الهجوم استهدف معسكرات ومخازن وقود إضافة إلى مقر الإعلام العسكري للحوثيين، بينما أشارت القناة 14 إلى أن الضربات شملت منصات إطلاق صواريخ ومقرًا للناطق باسم الجماعة.

الجيش الإسرائيلي نفسه أعلن أن العملية جزء من حملة أوسع أطلق عليها اسم دقّ الأجراس، تهدف إلى ضرب الإرهاب أينما كان.

أبعاد استراتيجية


اللافت، أن هذه الضربات تأتي في سياق تصاعدي منذ انخراط الحوثيين بشكل مباشر في الحرب على إسرائيل عقب اندلاع المواجهات في غزة قبل نحو عامين، فالجماعة المدعومة من إيران أطلقت مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية تجاه إسرائيل، كما استهدفت سفنًا تجارية في البحر الأحمر وباب المندب؛ ما أثار مخاوف دولية بشأن أمن الممرات البحرية، وبذلك، باتت اليمن تشكل جبهة إضافية تعقّد المشهد الأمني الإسرائيلي وتربط الصراع بشكل أوثق بالمواجهة مع طهران ووكلائها.

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال بوضوح: إن العملية تهدف إلى توجيه ضربة موجعة للتنظيم الحوثي وإنها تحمل رسالة بأن إسرائيل ستضرب أي تهديد لأمنها أينما وجد.

المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي ذهب أبعد من ذلك عندما ربط بين الهجمات على صنعاء والجوف وبين الدعم الإيراني المباشر للحوثيين، مؤكدًا أن الجماعة تستخدم مواقعها العسكرية لتخطيط وتنفيذ عمليات ضد إسرائيل وحلفائها.

انعكاسات على الداخل اليمني


من جانبهم، يرى مراقبون أن المدنيين هم الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، فالقصف الذي طال مناطق مأهولة في صنعاء والجوف يزيد من معاناة اليمنيين الذين يعيشون حربًا داخلية منذ نحو عقد.

تضرر مرافق طبية، مثل المحطة الطبية في شارع الستين، يفاقم أزمة إنسانية قائمة أصلًا بفعل نقص الإمدادات والكوادر.

كما أن إدخال اليمن في حسابات الصراع الإقليمي يزيد من هشاشة أي مساعٍ للتهدئة الداخلية، ويضع البلاد في قلب معركة لا تملك السيطرة على مسارها.

وأكد مراقبون، أن التحركات الإسرائيلية ضد الحوثيين قد تلقى دعمًا ضمنيًا من قوى دولية قلقة من استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، لكن في المقابل فإن استمرار هذا النهج قد يجرّ المنطقة إلى مواجهة أوسع.

فإيران، الراعي الأساسي للحوثيين، قد تستغل التصعيد لإبراز قدرتها على تهديد أمن إسرائيل عبر جبهات متعددة، هذا الاحتمال يثير قلق الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تخشيان اضطراب طرق الملاحة البحرية التي تشكل شريانًا للتجارة العالمية.

الخطوط الخلفية ليست آمنة


من جانبه، يرى المحلل السياسي اليمني عبد الواسع الفاتكي، أن الغارات الإسرائيلية على صنعاء والجوف تمثل نقلة نوعية في المواجهة مع الحوثيين، إذ انتقلت تل أبيب -بحسب تعبيره- من استراتيجية الاحتواء والردع إلى المبادرة والهجوم الاستباقي.

ويشير الفاتكي -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن استهداف مواقع الإعلام العسكري ومعسكرات التدريب يعكس رغبة إسرائيل في تقويض البنية التحتية التي تمكّن الحوثيين من مواصلة عملياتهم، سواء عبر التخطيط أو حشد الدعم الشعبي والإعلامي.

ويؤكد الفاتكي، أن اختيار أهداف داخل العاصمة يحمل رسالة مزدوجة: الأولى إلى الحوثيين بأن خطوطهم الخلفية لم تعد آمنة، والثانية إلى إيران بأن نفوذها في اليمن ليس بمنأى عن الرد المباشر. 

ويرى، أن إسرائيل تهدف إلى خلق حالة شلل تكتيكي داخل الجماعة تعيق قدرتها على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة بكثافة، وهو ما قد يخفف الضغط على الجبهات الأخرى كغزة والجليل.

لكن الفاتكي يحذر في الوقت ذاته من أن مثل هذا التصعيد قد يدفع الحوثيين إلى توسيع نطاق هجماتهم على السفن التجارية والممرات البحرية في البحر الأحمر وباب المندب، ما يهدد استقرار الملاحة الدولية ويزيد من تعقيد الموقف الإقليمي.

 ويخلص إلى أن الضربات الأخيرة هي بداية مرحلة جديدة من الصراع قد تحدد ملامح الأمن الإقليمي في الأشهر المقبلة.