حماس تُعيد فرض سيطرتها في غزة وسط فراغ سياسي بعد الحرب
حماس تُعيد فرض سيطرتها في غزة وسط فراغ سياسي بعد الحرب

يشهد قطاع غزة تحولات متسارعة في أعقاب الهدنة الأخيرة، حيث تتحرك حركة حماس بخطى حذرة لكنها حاسمة لإعادة فرض سيطرتها على قطاع غزة، في ظل غياب أي إدارة بديلة وانهيار مؤسسات الأمن والنظام المدني.
حماس.. السلطة الفعلية رغم الحرب
وأكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أنه طوال العامين الماضيين من الحرب بين إسرائيل وحماس، كان العاملون في المنظمات الإنسانية داخل القطاع يتجنبون ذكر اسم الحركة بشكل مباشر في اتصالاتهم التي قد تكون خاضعة للمراقبة، مفضلين استخدام عبارة "السلطة الفعلية".
يعكس هذا التعبير واقعًا أساسيًا، إذ رغم تراجع حضور حماس العلني خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، ظلت الجهة الأقرب إلى كونها الحاكم الفعلي في غزة، في ظل غياب أي بديل قادر على إدارة الأوضاع.
فقد واصل مسؤولوها المدنيون أداء أدوارهم الإدارية والتنسيق مع المؤسسات الإنسانية، بينما تولت وحدات الشرطة المسلحة التابعة لها مهمة ملاحقة اللصوص والعصابات والميليشيات الصغيرة، بالإضافة إلى معاقبة من تعتبرهم متعاونين مع إسرائيل أو مهددين لسلطتها.
حملة أمنية جديدة لتثبيت السيطرة
تبدو هذه الحملة الأمنية اليوم أولوية قصوى لدى الحركة، رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير نص على ضرورة نزع سلاحها؛ تمهيدًا لتحقيق سلام دائم.
ومع ذلك، تشير التطورات إلى أن حماس تضع في مقدمة أولوياتها الآن الحفاظ على قبضتها الأمنية لا التخلي عن أسلحتها.
فخلال الأيام الماضية، اندلعت اشتباكات متفرقة في مناطق عدة من القطاع، ترافقت مع إعدامات علنية لسبعة أشخاص وُصفوا بأنهم "خونة ومتعاونون"، جرى تنفيذها في حي الزيتون شرق مدينة غزة. ويبدو أن الحركة تراهن على العنف المفرط لردع خصومها في غياب نظام قضائي فاعل.
مواقف متباينة بين السكان
في حين يرى بعض الغزيين أن هذه الأساليب تمثل تجاوزًا خطيرًا للقانون، فإن آخرين يبدون تفهمًا أو دعمًا ضمنيًا لإجراءات حماس في مواجهة الانفلات الأمني.
فقد قال أحد النشطاء لهيئة الإذاعة البريطانية إن "الإعدامات من دون محاكمة عادلة جريمة، ولا يجوز تصحيح الخطأ بخطأ آخر"، بينما عبّرت نجلاء جندية، من مدينة دير البلح، عن دعمها الكامل للحملة، مشيرة إلى أن "الناس يعيشون فوضى حقيقية، وإذا لم تتدخل جهة قوية لحماية الأمن فلن يبقى شيء من النظام".
فراغ إداري وسياسي يملؤه السلاح
تعود جذور هذا الانفلات إلى غياب أي تصور بديل لدى إسرائيل حول مستقبل الحكم في غزة، إذ رفضت طوال الحرب طرح خطة سياسية متكاملة أو السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى القطاع.
كما أن محاولاتها لتسليح جماعات محلية لم تنجح في خلق توازن على الأرض، مما أفسح المجال أمام حماس لإعادة بسط نفوذها.
ويقول الخبير في الأمن الدولي هَيهِلَر من معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن إن "عندما تنهار البنية الاجتماعية تماماً، فإن الجهة القادرة على احتكار العنف هي من تحكم، وحماس كانت الأقدر على فرض هذا الاحتكار وتنظيمه مقارنة بغيرها".
الغطاء السياسي من الخارج
تعززت أهمية هذه الحملة بتصريحات مثيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لمح إلى أن حماس حصلت على "ضوء أخضر" لاستخدام القوة للحفاظ على الأمن ومنع ما وصفه بـ"الأعمال السيئة"، لكن ترامب عاد ليحذر قائلًا إنه إذا لم تتخل الحركة عن سلاحها، فإن الولايات المتحدة "ستجبرها على ذلك بسرعة وربما بعنف".
ويشير مراقبون إلى أن مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تصدر دون وساطة قطرية أو تفاهمات غير مباشرة مع واشنطن، في الوقت الذي لا تزال فيه المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام قيد التفاوض.
خطة ترامب وإشكالية نزع السلاح
تنص خطة ترامب على تشكيل إدارة انتقالية تضم شخصيات فلسطينية مستقلة تحت إشراف دولي، مع استبعاد حماس والفصائل المسلحة من أي دور في الحكم، لكن حتى الآن لا توجد آلية تنفيذ واضحة ولا جدول زمني محدد، ما يجعل احتمالات التطبيق ضئيلة للغاية.
ويرجح محللون أن حماس قد تسلّم جزءًا من ترسانتها الثقيلة القادرة على تهديد إسرائيل، لكنها ستحتفظ بأسلحة خفيفة تمكّنها من ضبط الأمن الداخلي، ما يعني استمرار نفوذها الفعلي على الأرض وإن بصورة غير رسمية.
غزة بين هدنة هشة وسلطة غير معلنة
ووفق التقديرات الدولية فإن السيناريو الأرجح، هو أن الحركة ستتخلى عن أدوارها الرسمية في الحكم لكنها ستبقى السلطة الفعلية التي تدير القطاع من وراء الستار.
ومع استمرار غياب بديل إداري حقيقي، ومع حجم الدمار الإنساني والمؤسساتي الكبير، يبدو أن غزة مقبلة على مرحلة انتقالية طويلة من الحكم المزدوج، يتداخل فيها السلاح بالسياسة، والقوة بالأمن المؤقت.