من أحياء كوينز إلى قاعة بلدية نيويورك.. من هو زهران ممداني؟

من أحياء كوينز إلى قاعة بلدية نيويورك.. من هو زهران ممداني؟

من أحياء كوينز إلى قاعة بلدية نيويورك.. من هو زهران ممداني؟
زهران ممداني

شهدت مدينة نيويورك، أكبر مدن الولايات المتحدة، حدثًا تاريخيًا تمثل في انتخاب زوهران ممداني كأول عمدة مسلم وأول عمدة من أصول جنوب آسيوية، وفقًا لما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".


ويُعد ممداني، البالغ من العمر 34 عامًا وعضو مجلس ولاية نيويورك عن منطقة كوينز، من أبرز رموز التيار الديمقراطي الاشتراكي، وقد صعد بسرعة لافتة من الظل إلى واجهة المشهد السياسي الأمريكي.


منذ إعلان ترشحه لمنصب العمدة، أحدث ممداني حالة من الزخم بين التقدميين داخل الحزب الديمقراطي، بينما أثار في الوقت ذاته انتقادات حادة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والجمهوريين، الذين وصفوه بالمتطرف.


وفي خطابه عقب فوزه، قال ممداني لأنصاره: إن الأمل ما زال حيًا، مؤكدًا أن رؤيته تقوم على بناء مدينة أكثر إنصافًا وعدلاً، وأضاف: أن قاعة بلدية نيويورك ستكون منارة للأمل والوضوح في وقت تعاني فيه البلاد من الانقسام والتحديات.

من أوغندا إلى نيويورك.. رحلة الهوية والانتماء


وُلد زوهران ممداني في أوغندا، وانتقل إلى نيويورك مع أسرته وهو في السابعة من عمره. تلقى تعليمه في مدرسة برونكس الثانوية للعلوم، ثم حصل على شهادة في الدراسات الإفريقية من كلية بودوين، حيث أسّس فرعًا طلابيًا لدعم القضية الفلسطينية.


ينتمي ممداني إلى جيل الألفية الذي يفخر بجذوره المتنوعة في مدينة متعددة الثقافات. وقد جعل من إيمانه الإسلامي جزءًا أساسيًا من حملته الانتخابية، فكان يزور المساجد بانتظام، كما أصدر مقطعًا دعائيًا باللغة الأردية يتناول أزمة غلاء المعيشة في المدينة.


وقال - في أحد تجمعاته-: إن الظهور العلني كمسلم يعني أحيانًا التضحية بالأمان الذي قد يوفره العيش في الظلال.


زوجته راما دواجـي، وهي فنانة سورية مقيمة في بروكلين تبلغ من العمر 27 عامًا، تعرّف عليها عبر تطبيق للتعارف. أما والدته فهي المخرجة الشهيرة ميرا ناير، ووالده البروفيسور محمود ممداني يدرّس في جامعة كولومبيا، وكلاهما خريجا جامعة هارفارد.
قبل دخوله السياسة، عمل ممداني مستشارًا في مجال الإسكان لمساعدة الأسر محدودة الدخل في مواجهة خطر الإخلاء.


تفاعل استثنائي مع الشباب ووسائل التواصل


يرى خبراء الإعلام، أن نجاح ممداني يعود إلى قدرته على التواصل مع الناخبين الشباب بصدق وواقعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأكدت الأستاذة جين هول من الجامعة الأمريكية أن جاذبيته لا تأتي من عمره فقط، بل من أسلوبه الصادق والقريب من اهتمامات الناس.


لكن منتقديه يرون أنه يفتقر إلى الخبرة الكافية لإدارة مدينة بحجم نيويورك. الرئيس ترامب وصفه مرارًا بالشيوعي، وهدد بحرمان المدينة من التمويل الفدرالي إذا مضى في تنفيذ سياساته اليسارية. وردّ عليه ممداني قائلاً: دونالد ترامب، لتعلم أنك لن تصل إلينا إلا إذا تخطيتنا جميعًا، في إشارة إلى وحدة أنصاره.


رؤية جريئة للإسكان ومكافحة الغلاء


الملف السكني كان أحد أهم محاور حملة ممداني، إذ تعهد بتجميد الإيجارات لمدة أربع سنوات في نحو مليون وحدة سكنية خاضعة لقانون تثبيت الإيجار. وقال - في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية-: إن ربع سكان المدينة يعيشون في الفقر، وإن نصف مليون طفل ينامون جياعًا كل ليلة. لكنه واجه انتقادات من خبراء الاقتصاد العقاري الذين وصفوا خطته بأنها كارثية لأصحاب العقارات الصغار.


ويقترح العمدة الجديد إنشاء شبكة من متاجر البقالة المملوكة للمدينة في الأحياء الخمسة، لتوفير مواد غذائية بأسعار مخفضة. كما يسعى لجعل الحافلات العامة مجانية وتسريع خطوطها، وهي خطة يقول إنها ستكلف نحو 630 مليون دولار سنويًا، بينما تشير تقديرات هيئة النقل إلى أن التكلفة قد تصل إلى مليار دولار.


أجندة اجتماعية تقدمية


يتعهد ممداني بخفض تكاليف رعاية الأطفال بعد أن تلقى شكاوى من عائلات تفكر بمغادرة المدينة بسبب الغلاء. ولتمويل مشاريعه، يخطط لرفع ضريبة الشركات إلى 11.5%، وزيادة الضرائب بنسبة 2% على من يتجاوز دخلهم مليون دولار سنويًا، وهي إجراءات يتوقع أن توفر نحو 9 مليارات دولار سنويًا، رغم معارضة حاكمة الولاية كاثي هوشول لهذه الزيادات.


كما يسعى لرفع الحد الأدنى للأجور من 16.5 إلى 30 دولارًا للساعة بحلول عام 2030، رغم تحذيرات من أن ذلك قد يؤدي إلى فقدان الوظائف ودفع العمالة منخفضة الدخل إلى مغادرة المدينة.


ويعتزم إنشاء إدارة جديدة تحت اسم "إدارة السلامة المجتمعية" لتعزيز خدمات الصحة النفسية، بما في ذلك تخصيص فرق من الأخصائيين للتعامل مع مكالمات الطوارئ النفسية بدلًا من الشرطة، وهو ما أثار اعتراضات من خصومه الجمهوريين الذين وصفوا الخطة بغير الواقعية.

مواقف مثيرة من حرب غزة وإسرائيل


من بين أكثر مواقفه إثارة للجدل، تأييده العلني للفلسطينيين وانتقاده الحاد لإسرائيل. فقد وصف ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية، واعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري، وطالب باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي تصريحات أثارت غضب الدوائر المؤيدة لإسرائيل في واشنطن.


وسبق أن قدّم مشروع قانون لإنهاء الإعفاء الضريبي عن الجمعيات الخيرية الأمريكية التي تمول المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.


وعندما سُئل عما إذا كان يعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، أجاب بأنه لا يدعم أي دولة تقوم على تمييز ديني، مشددًا على أن المساواة يجب أن تكون مبدأً عالميًا.


في الوقت نفسه، أكد رفضه القاطع لمعاداة السامية، وتعهد بزيادة تمويل برامج مكافحة جرائم الكراهية في المدينة.

بين الأمل والتحديات


يرى مراقبون، أن فوز زوهران ممداني لا يمثل مجرد تحول سياسي محلي، بل لحظة رمزية في التاريخ الأمريكي، إذ يجسد صعود جيل جديد من القادة التقدميين الذين يعيدون تعريف ملامح الديمقراطية في الولايات المتحدة.


لكن الطريق أمامه لن يكون سهلاً، إذ تنتظره معارك اقتصادية وسياسية معقدة داخل المدينة ومع الحكومة الفدرالية، إلى جانب تحدي ترجمة شعاراته اليسارية إلى سياسات عملية في واحدة من أكثر المدن تنوعًا وتعقيدًا في العالم.