نار تحت رماد السويداء.. اشتباكات مسلّحة تعيد خرق الهدنة وتفاقم التوتر السياسي

نار تحت رماد السويداء.. اشتباكات مسلّحة تعيد خرق الهدنة وتفاقم التوتر السياسي

نار تحت رماد السويداء.. اشتباكات مسلّحة تعيد خرق الهدنة وتفاقم التوتر السياسي
اشتباكات السويداء

في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة السورية إلى تثبيت الاستقرار في الجنوب المضطرب، أعادت السويداء ذات الأغلبية الدرزية فتح ملفها المعقّد بعدما تصاعدت الاشتباكات خلال الساعات الماضية بين قوى الأمن وفصائل محلية مرتبطة بالشيخ حكمت الهجري، وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي حاولت الهدنة الأخيرة ترسيخه، فإن النيران التي اشتعلت مجددًا في ريف المحافظة كشفت هشاشة الترتيبات الأمنية، وعمق الخلاف بين دمشق والقيادات المحلية التي ترفع خطابًا سياسيًا يقترب من فكرة "تقرير المصير"، التوتر الحالي ليس حدثًا معزولًا، بل هو حلقة جديدة في سلسلة اضطرابات تتداخل فيها مطالب شعبية قديمة، ونفوذ فصائل مسلّحة، وحضور عصابات التهريب، وصراع نفوذ بين قوى محلية باتت تملأ الفراغ في المناطق الطرفية.

 وبينما تشير السلطات إلى "محاولات متعمدة لزعزعة الأمن"، يرى مراقبون أن ما يحدث هو اختبار حقيقي لقدرة الدولة على إدارة الجنوب في مرحلة انتقالية حساسة تعيش فيها البلاد تحولات سياسية وأمنية كبرى.

عودة الاشتباكات


شهدت محافظة السويداء موجة جديدة من التوتر الميداني، بعدما فتحت القوات الحكومية مدعومة بوحدات رديفة نيران أسلحتها الرشاشة الثقيلة من عيار 23 على محيط بلدة المجدل، انطلاقًا من مواقعها في بلدة المزرعة بريف المحافظة الغربي، وتكرر الاستهداف، صباح السبت، بوتيرة مشابهة، وفق ما نقلته وكالة "سانا"، من دون أن ترد معلومات مؤكدة حول وقوع إصابات في تلك الساعات.

وبالتزامن، تفجّرت اشتباكات عنيفة، خلال الليل، بين قوات تتبع لوزارة الدفاع وعناصر من القوات الرديفة من جهة، ومقاتلين ينتمون إلى ما يُعرف بـ"الحرس الوطني" من جهة أخرى، وسط أنباء عن سقوط قتلى وجرحى بين الطرفين نتيجة تبادل مكثف لإطلاق النار.

وسائل إعلام محلية ذكرت أن المواجهات استمرت حتى الفجر، مستخدمين فيها الأسلحة الرشاشة المتوسطة والثقيلة، بالإضافة إلى قذائف الهاون، وأنها تركزت في عدة محاور تمتد من خطوط المجدل – المزرعة وعتيل – سليم إلى ريمة حازم ولغا، مرورًا بمنطقة النقل – ولغا وتل حديد، ووصولاً إلى مساكن الخضر ودوار الثعلة شمال وغرب المحافظة، وتسببت حدة الاشتباكات بانقطاع شامل للتيار الكهربائي في عدد من المناطق، ما فاقم من متاعب المدنيين وزاد من صعوبة التعامل مع الظروف الأمنية المتدهورة خلال ساعات الليل.

احتواء المواجهات


تجدد التوتر في السويداء خلال الساعات الماضية بعد وقوع اشتباكات عنيفة بين قوى الأمن ومجموعات مسلّحة مرتبطة بالشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي البارز للطائفة الدرزية.

 وأفادت مصادر محلية، بمقتل وجرح عدد من المسلحين في محيط قرية المجدل، حيث اندلعت المواجهات عقب قصف نفذته تلك المجموعات على مواقع أمنية في ريف المحافظة، في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل أسابيع.

مدير أمن السويداء، سليمان عبد الباقي لوكالة "سانا"، أكد أن "عصابات مسلحة" استهدفت نقاطًا أمنية في الريف الغربي، مشيرًا إلى أن القوات الحكومية المنتشرة في المنطقة تعمل على احتواء المواجهات ومنع توسعها، وتأتي تصريحاته في ظل قلق رسمي متصاعد من توسع الاشتباكات وتحولها إلى مواجهة شاملة، فيما شدّد محافظ السويداء مصطفى البكور على أن الهجمات الأخيرة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتعمل وفق مصالح ضيقة بعيدة عن قيم المحافظة.

البكور دعا إلى اصطفاف شعبي يواجه هذه التحركات، محذرًا من "مشاريع تخريبية" تستغل الظروف الاقتصادية المتدهورة في الجنوب. 

وأشار إلى أن ما يجري لا يعكس المزاج العام لأبناء المحافظة الذين يدفعون، على حد وصفه، ثمن صراعات لا تعبّر عنهم.

تحالفات خطرة


وتأتي هذه التطورات بعد أيام فقط من تصريحات للرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته إلى واشنطن، حيث تحدث عن "تحالفات خطرة" تورطت فيها أطراف محلية في السويداء مع شبكات تهريب المخدرات وفلول النظام السابق بهدف تعطيل جهود الاستقرار، ورغم أن الشرع لم يُسمِّ هذه الأطراف بشكل مباشر، إلا أن حديثه أعاد التوتر إلى الواجهة في محافظة لطالما عاشت توترًا متصاعدًا مع دمشق خلال السنوات الأخيرة.

 وفي نهاية أكتوبر الماضي، شهدت المنطقة حادثًا صادمًا حين فتح مسلحون مجهولون النار على حافلة ركاب بين دمشق والسويداء؛ ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة آخرين، الحادثة زادت الضغط الشعبي على القيادات المحلية، ورفعت منسوب المخاوف الأمنية في محافظة تعاني أصلًا من فراغ مؤسساتي وانتشار السلاح.

قبل انهيار الأوضاع


من الناحية السياسية، ما يزال ملف السويداء معلّقًا رغم وجود خارطة طريق تحدثت عنها دمشق الشهر الماضي بالتنسيق مع الولايات المتحدة والأردن، وتشدد على بقاء المحافظة جزءًا لا يتجزأ من الدولة السورية، إلا أن الشيخ حكمت الهجري، الذي يحظى بنفوذ اجتماعي واسع، يؤكد ما يسميه "حق تقرير المصير"، وهو موقف تعتبره السلطات تهديدًا للوحدة الوطنية.

 وفي يوليو الماضي، شهدت المحافظة اشتباكات دامية بين مسلحين دروز وعشائر بدوية، ما استدعى تدخل القوات الأمنية لوقف القتال ومنع انهيار الوضع.

معاون وزير الإعلام، عبدالله الموسى، قال - في تصريحات سابقة-: إن "دخول الدولة إلى السويداء هو الحل وليس المشكلة"، معتبرًا أن مواقف الهجري تزيد من تعقيد المشهد وتدفع السكان إلى مواجهة نتائج خيارات لا تخصهم، وشدد على أن “المحاسبة باتت ضرورة بعد كثرة الخروقات”، لافتًا إلى أن أطرافًا داخل المحافظة تعمل لخدمة "مشاريع غير وطنية".