الانتخابات المبكرة.. ورقة نتنياهو الأخيرة للهروب من مستقبل خلف القضبان

الانتخابات المبكرة.. ورقة نتنياهو الأخيرة للهروب من مستقبل خلف القضبان

الانتخابات المبكرة.. ورقة نتنياهو الأخيرة للهروب من مستقبل خلف القضبان
نتنياهو

في خضمّ اشتداد الأزمات السياسية والقانونية التي تطوّق بنيامين نتنياهو، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يلوّح مجددًا بخياره المفضل عند اشتداد الخناق: صناديق الاقتراع، فبينما تتصاعد الاتهامات القضائية وتتعثر مشاريع الحكومة، برزت تسريبات إعلامية تتحدث عن نية نتنياهو الدعوة إلى انتخابات مبكرة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في خطوة يرى فيها بعض المراقبين محاولة لتبديل قواعد اللعبة قبل أن تداهمه المحاكمات والاحتجاجات، القضية التي أشعلت الجدل هذه المرة ليست سياسية ولا أمنية، بل قانونية بامتياز، استقالة واعتقال المدعية العسكرية العامة السابقة يفعات تومر–يروشلمي، التي فتحت النار مجددًا على علاقة السلطة التنفيذية بالمؤسسة القضائية، في هذا المناخ المشحون، يتحرك نتنياهو بين حسابات انتخابية دقيقة ومخاطر سياسية غير مضمونة، وسط انقسام داخل معسكره بين من يدعوه لاستغلال اللحظة ومن يحذّره من المقامرة بمصير الحكومة.

فرصة ذهبية ضد القضاء


تشير تقارير إسرائيلية متقاطعة إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعكف على دراسة جدية لإمكانية حلّ الكنيست والدعوة إلى انتخابات مبكرة خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، في خطوة تعكس ارتباك المشهد داخل الائتلاف الحاكم، بعد الأزمة التي فجّرتها قضية المدعية العامة العسكرية السابقة، اللواء يفعات تومر–يروشلمي.

ووفق ما بثّته هيئة البث الرسمية "كان"، فإن شخصيات قريبة من نتنياهو، معظمها من الجناح اليميني المتشدد داخل الليكود، ترى في توقيت الأزمة الحالية فرصة ذهبية لتحويل الغضب الشعبي إلى معركة سياسية ضد جهاز القضاء، الذي يلاحق نتنياهو منذ سنوات في ملفات فساد ما زالت تلاحقه في المحاكم.

تقوم هذه الرؤية على فرضية أن انتخابات مبكرة تُدار تحت شعار "إنقاذ الدولة من تغوّل القضاء" قد تُعيد تعبئة القاعدة اليمينية المتشددة حول نتنياهو، كما حدث خلال معارك سابقة ضد المحكمة العليا في قضايا تتعلق بإصلاحات قانونية.

ويرى المقربون من رئيس الوزراء أن التركيز على قضية تومر–يروشلمي، التي تتضمن تسريبًا من داخل المؤسسة العسكرية، يمنح نتنياهو ذريعة للهجوم على "الدولة العميقة" التي لطالما اتهمها بأنها تسعى لإسقاط حكومته من خلال القضاء والإعلام.

تراجع شعبية نتنياهو


في المقابل، تُبدي دوائر أخرى داخل الليكود وحزب "شاس" الديني حذرًا من الإقدام على خطوة كهذه، خشية أن تؤدي إلى نتائج عكسية، فاستطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى تراجع شعبية نتنياهو في الشارع الإسرائيلي، خاصة بعد الانقسامات الحادة حول قانون إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.

هذا القانون، الذي يثير غضبًا واسعًا بين الإسرائيليين العلمانيين، اضطر نتنياهو مؤخرًا إلى تجميده بطلب من رئيس لجنة الخارجية والأمن بوعز بيسموت، في محاولة لتخفيف التوتر داخل الائتلاف.

لكن خلف هذه المناورات السياسية، يلوح هدف آخر أكثر حساسية، محاولات نتنياهو المتكررة لتعطيل أو تأجيل محاكمته الجنائية الجارية بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.

فالدعوة إلى انتخابات جديدة قد تمنحه وقتًا ثمينًا، وربما غطاءً سياسياً يسمح بتمرير تشريعات تخدم قضيته، خاصة إذا تمكن من تشكيل ائتلاف أكثر طواعية.

غير أن المشكلة تكمن في أن الذهاب السريع إلى صناديق الاقتراع قد يعرقل تمرير أي تشريعات من هذا النوع، ويُبقي نتنياهو رهينة قرار القضاء.

الانقسام داخل المؤسسة العسكرية


من ناحية أخرى، جاءت قضية تومر–يروشلمي لتعمّق الانقسام داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها، فاستقالة المدعية العامة، ثم توقيفها على خلفية تسريب مقطع فيديو يظهر جنودًا يعتدون على معتقل فلسطيني في سجن "سدي تيمان"، أثارت جدلًا واسعًا حول أخلاقيات الجيش ومسؤولية قياداته في حماية صورة المؤسسة الأمنية.

وقد تحوّلت هذه القضية إلى مادة دسمة للمعارضة التي تتهم الحكومة بتسييس القضاء والعسكر على حد سواء، ومع أن مكتب رئيس الوزراء سارع إلى نفي وجود أي نية لإجراء انتخابات مبكرة، مؤكدًا أن "الأمر غير مطروح على جدول الأعمال"، إلا أن التوقيت السياسي لتسريب هذه المعلومات لا يبدو بريئًا، فنتنياهو، الذي يملك خبرة طويلة في اختبار اتجاهات الرأي العام من خلال التسريبات، يستخدم هذه التكتيكات عادة لجس نبض الشارع وتهيئة حلفائه لخطوات لاحقة.

ويعتقد محللون في تل أبيب، أن القرار النهائي سيعتمد على مدى قدرة نتنياهو على التوصل إلى صيغة تسوية في ملف محاكمته قبل نهاية العام، أو على الأقل إلى تهدئة مع القضاء تتيح له استكمال ولايته، أما إذا فشل في ذلك، فإن خيار الانتخابات سيصبح بالنسبة له مخرجًا اضطراريًا، لا خيارًا سياسيًا طوعيًا، وفي كلتا الحالتين، فإن إسرائيل مقبلة على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، حيث تختلط الحسابات القانونية بالمصالح الحزبية، في مشهد يعيد إلى الأذهان أيام الاحتجاجات الصاخبة ضد إصلاحاتها لقضائية.