دمشق تعيد صياغة خطابها وتل أبيب تحصّن مواقعها.. مفاوضات على حافة الفشل

دمشق تعيد صياغة خطابها وتل أبيب تحصّن مواقعها.. مفاوضات على حافة الفشل

دمشق تعيد صياغة خطابها وتل أبيب تحصّن مواقعها.. مفاوضات على حافة الفشل
الرئيس السوري أحمد الشرع

في لحظة إقليمية تتسم بالتقلبات الحادة، تدخل المفاوضات بين سوريا وإسرائيل منعطفًا حساسًا يعكس معركة سرديات أكثر من كونه حوارًا صريحًا حول السلام، فدمشق، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تحاول تقديم نفسها كدولة تسعى إلى استقرار داخلي وعودة تدريجية إلى الشرعية الدولية بعد سنوات من الفوضى والحروب، بينما ترفع إسرائيل سقف شروطها الأمنية إلى الحد الأقصى، متحصنة بجولان محتل ومعادلات ميدانية رسمتها منذ عقود، وبين هذين الطرفين، تتحرك الولايات المتحدة بدور الوسيط، مدفوعة برغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب في تسجيل اختراق دبلوماسي، لكنه اختراق محفوف بالمخاطر، سواء من معارضة الداخل الإسرائيلي أو من تعقيدات الإقليم، ما يجري اليوم ليس بالضرورة بداية مسار سلام شامل، بل محاولة لاختبار النوايا، وتحديد ما إذا كان بالإمكان إحياء اتفاقات قديمة وصياغتها في إطار جديد، ورغم كل ذلك، فإن المفاوضات تكشف هشاشة التوازن بين مطلب دمشق بالاستقرار ورغبة تل أبيب في ضمان الأمن بأي ثمن.

الرواية السورية.. استقرار لا حرب


منذ الإطاحة بالنظام السابق، تحاول سوريا إعادة رسم صورتها كدولة قادرة على إدارة شؤونها بعيدًا عن نفوذ الميليشيات والتدخلات الإقليمية، تصريحات الرئيس أحمد الشرع الأخيرة جاءت لتؤكد هذا المسار، حيث شدد على أن دمشق ليست في حساباتها خوض مواجهات عسكرية، بل تسعى إلى تحييد إسرائيل عن التدخل في شؤونها الداخلية، مستحضرة اتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974 برعاية وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، هذا الاتفاق، الذي وضع خطوطًا لوقف التوتر على الجبهة السورية–الإسرائيلية، يُعاد طرحه اليوم كمدخل لإرساء استقرار نسبي، على أمل أن يمنح دمشق وقتًا لإعادة ترتيب بيتها الداخلي.

المحلل السياسي طارق أبوزينب يرى أن سوريا في مرحلة إعادة بناء الدولة، وأنها تحاول فتح صفحة جديدة مع محيطها العربي والدولي. من وجهة نظر دمشق، فإن مبررات إسرائيل الأمنية غير قائمة، إذ تسيطر الأخيرة على أعالي جبل الشيخ وتمتلك قدرات عسكرية متفوقة.

وتابع في حديثه لـ"العرب مباشر"، لذلك فإن عودة إسرائيل إلى خط فض الاشتباك وفق اتفاق 1974 لن تمثل تهديدًا لها، بل ستعيد شيئًا من التوازن المفقود وتطمئن المجتمع الدولي، كما تحاول دمشق إظهار جديتها في التغيير عبر تقليص نفوذ إيران وحزب الله داخل أراضيها، والتشديد على مكافحة تجارة المخدرات، وهي خطوات تراها إسرائيل على الأقل نظريًا تصب في صالحها.

الموقف الإسرائيلي.. شروط لا تنازلات


في المقابل، تبدو إسرائيل أبعد ما تكون عن قبول صيغة توافقية، صحيفة هآرتس، نقلت عن مسؤولين إسرائيليين أن دمشق الجديدة تمارس "خطابًا مزدوجًا"، إذ تعرض أمام الغرب صورة الدولة الباحثة عن الاستقرار، بينما تبقي على ممارسات ميدانية تُثير الشكوك.

بالنسبة لتل أبيب، فإن أي مفاوضات لا يمكن أن تتجاوز أربعة خطوط حمراء: الاحتفاظ بالجولان تحت السيادة الإسرائيلية، الإبقاء على جنوب سوريا منزوع السلاح، تأمين ممر استراتيجي بين الجولان والسويداء، وضمان منطقة آمنة تحت إشراف غير مباشر، هذه الشروط تعكس عقلية أمنية ترى في سوريا –مهما تغيرت قيادتها– تهديدًا محتملاً لا يمكن الوثوق به.

المفارقة، أن إسرائيل تدخل هذه المفاوضات وهي غارقة في أزمات داخلية وخارجية غير مسبوقة، حكومة بنيامين نتنياهو، التي تضم أطيافًا من أقصى اليمين، تواجه عزلة متزايدة في الساحة الدولية، مع مطالبات بمحاسبتها أمام محكمة العدل الدولية على خلفية الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية.

التظاهرات في أوروبا وأميركا الشمالية ضد سياسات الاحتلال تضيف عبئًا على صورتها الخارجية، هذه الضغوط قد تجعل إسرائيل أكثر تشددًا في أي مفاوضات، خشية أن يُنظر إلى تقديم تنازلات لسوريا كضعف داخلي يزيد من صعوبة موقع نتنياهو.

إدارة أزمة


من جانبه، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية: إن وسط هذه الفجوة بين دمشق وتل أبيب، تتحرك واشنطن عبر مبعوثها توم براك، في محاولة لرسم تفاهمات أمنية تشمل سوريا ولبنان وإسرائيل.

وأضاف فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الهدف الأميركي المعلن هو تهدئة التوتر ومنع أي انفجار عسكري جديد، لكن الحسابات أعمق من ذلك، موضحًا: إن إدارة ترامب تسعى إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي يرسخ نفوذها في الشرق الأوسط، ويوازن النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة.

وتابع، هذه الوساطة محفوفة بالمخاطر، فالفشل سيُحسب على واشنطن كدليل جديد على عجزها عن إدارة ملفات الشرق الأوسط، بينما النجاح قد يبقى هشًا إذا لم يُترجم إلى اتفاقات ملزمة للطرفين.

وأوضح، أن جوهر المفاوضات اليوم يتمثل في تناقض واضح: دمشق تريد استقرارًا يتيح لها استكمال إعادة بناء الدولة، بينما تصر إسرائيل على ترتيبات أمنية تضمن تفوقها الاستراتيجي، مضيفًا، هذا التناقض يجعل المفاوضات أقرب إلى إدارة أزمة أكثر منها إلى صناعة سلام، العودة إلى اتفاق 1974 تبدو خيارًا عمليًا من وجهة نظر دمشق، لكنه بالنسبة لإسرائيل مجرد نقطة بداية لا تكفي لضمان أمنها.