بيئة ملوثة وخدمات غائبة.. كيف تحولت العقارب إلى كابوس الليبيين في الصيف؟
بيئة ملوثة وخدمات غائبة.. كيف تحولت العقارب إلى كابوس الليبيين في الصيف؟

في عمق الصحراء الليبية، حيث الشمس الحارقة والرياح الجافة، برز تهديد مألوف ولكن تضاعفت خطورته هذا العام، إذ تشهد مدن الجنوب زحفًا غير مسبوق للعقارب، وخاصة ما يُعرف بـ"سرطانات الرمل"، التي تركت مخابئها في الرمال لتقتحم الأحياء السكنية، ناشرةً الذعر بين السكان، الكارثة لا تتوقف عند منظرها المخيف، بل تمتد إلى لدغاتها السامة التي تودي بحياة البعض وتترك آخرين في مواجهة آلام مبرحة، في ظل نقص حاد في الأمصال والمرافق الطبية المؤهلة، ومع تزايد معدلات الإصابة، التي تصل في بعض المناطق إلى عشر حالات يوميًا.
*زيادة هائلة*
في ظل أجواء الصيف الحارقة التي تضرب ليبيا، تتصاعد أزمة صحية وبيئية غير مسبوقة، عنوانها "غزو العقارب"، هذا العام، وبحسب تقارير صحفية دولية، سجلت عدة مدن ليبية، وخاصة في الجنوب، زيادة هائلة في أعداد العقارب، وعلى رأسها نوع يُعرف محليًا بـ"سرطانات الرمل"، التي غادرت جحورها لتستوطن محيط المنازل، مهددة حياة السكان بشكل مباشر.
بلدية "غدامس" كانت من أولى الجهات التي استشعرت الخطر، فأطلقت حملة واسعة لرش المبيدات في الشوارع والأحياء السكنية، في محاولة للحد من انتشار هذه الكائنات السامة.
ورغم أن مثل هذه الحملات موسمية في بعض المناطق، إلا أن المسؤولين المحليين أكدوا أن حجم الغزو هذا العام غير مسبوق، ما استدعى تحركًا أسرع وأكثر شمولًا.
التهديد لا يقتصر على الخوف النفسي الذي تسببه العقارب، بل يمتد إلى تداعيات طبية خطيرة، خصوصًا مع تسجيل ارتفاع مقلق في أعداد الإصابات بلدغات العقارب.
ففي مدينة الكفرة وحدها، كشف مدير معمل العقارب بمركز طب المناطق الحارة، الدكتور عثمان التائب، عن وصول عدد الإصابات اليومية إلى عشر حالات، معظمها بين الأطفال، مؤكدًا أن المنطقة تحتضن أخطر الأنواع السامة في ليبيا.
ويشكل هذا الواقع تحديًا هائلًا للمنظومة الصحية، خاصة في المناطق النائية التي تفتقر إلى تجهيزات طبية كافية أو مخزون من الأمصال المضادة للسموم.
أطباء وناشطون أطلقوا صرخات استغاثة إلى السلطات المركزية، مطالبين بتأمين الأمصال في جميع المستشفيات الميدانية، وإطلاق حملات توعية موجهة للسكان حول طرق الوقاية والإسعافات الأولية في حال التعرض للدغات.
*نقص الأمصال*
السنوات الماضية كانت شاهدة على حوادث مأساوية في الجنوب الليبي، حيث فقدت عدة أسر أبناءها بسبب تأخر وصول المصابين بلدغات العقارب إلى المستشفيات أو بسبب انعدام الأمصال في الوقت المناسب.
هذه التجارب المؤلمة تضع ملف "غزو العقارب" في خانة القضايا الطارئة التي تتطلب خطة وطنية عاجلة، تشمل تحسين البنية التحتية الصحية، وتنظيم حملات بيئية مستدامة، إلى جانب تفعيل دور البلديات في الرقابة الميدانية.
كما يرى خبراء الصحة العامة، أن الأزمة ليست محلية فقط، إذ أن التغيرات المناخية تلعب دورًا في زيادة نشاط العقارب، حيث يدفع ارتفاع الحرارة وانخفاض الرطوبة هذه الكائنات للخروج بحثًا عن الغذاء والمأوى، ما يجعل التجمعات السكانية أهدافًا سهلة.
هذا الارتباط بين التغير المناخي وانتشار الأوبئة البيئية يفرض على ليبيا أن تضع في حساباتها سياسات طويلة المدى للتكيف مع الظروف الجديدة، بدلًا من الاكتفاء بإجراءات موسمية.
وفي الوقت الراهن، تتكثف الدعوات في المجتمع المدني لتشكيل فرق استجابة سريعة في كل بلدية، تضم عناصر من الصحة العامة والدفاع المدني، بهدف التدخل الفوري في حالات انتشار العقارب أو غيرها من المخاطر البيئية.
كما يجري الحديث عن إمكانية التعاون مع منظمات دولية متخصصة في مكافحة الأوبئة، لتأمين الدعم الفني واللوجستي في المناطق الأشد تضررًا.
*تحديًا صحيًا*
من جانبه، يؤكد د. عثمان التائب، مدير معمل العقارب بمركز طب المناطق الحارة، أن ما تشهده مناطق الجنوب الليبي هذا العام من انتشار غير مسبوق للعقارب يمثل تحديًا صحيًا خطيرًا، يتجاوز كونه ظاهرة موسمية اعتيادية.
ويوضح في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط المناخ في المنطقة، إلى جانب الإهمال البيئي وتراكم النفايات، خلق بيئة مواتية لتكاثر العقارب وانتشارها داخل التجمعات السكنية.
ويضيف التائب، أن أخطر ما في الأمر هو أن بعض الأنواع الموجودة في الجنوب، خصوصًا في الكفرة، تُعد من أكثر العقارب سمّية في العالم، ما يجعل سرعة تقديم العلاج أمرًا حاسمًا لإنقاذ الأرواح.
*تجربة مروعة*
من جهته يقول، عبد الله السنوسي مواطن ليبي يعيش في "سبها": قبل أسبوع فقط، تعرض أخي الصغير، عمره تسع سنوات، للدغة عقرب وهو يلعب أمام منزلنا في سبها. لم نكن نتوقع أن الخطر قد يصل إلى عتبة بيتنا بهذه السرعة.
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر": حاولنا إسعافه فورًا ونقله إلى المستشفى، لكن الطريق كان طويلاً ودرجة الحرارة مرتفعة، وعندما وصلنا اكتشفنا أن الأمصال غير متوفرة في ذلك اليوم.
يقول السنوسي: عشنا ساعات من الرعب ونحن نبحث عن مستشفى آخر يمكنه توفير العلاج، وفي النهاية تمكنا من إنقاذه بفضل مساعدة أحد الأطباء المتطوعين.
وتابع، هذه التجربة علمتني أن خطر العقارب ليس أمرًا نسمع عنه في الأخبار فقط، بل هو واقع يهدد حياة كل أسرة في الجنوب، مضيفًا، نحن بحاجة ماسة لتحرك جاد من السلطات لتأمين الأمصال في كل المراكز الصحية، وتنظيم حملات نظافة ورش، حتى لا يضطر أي أب أو أم للمرور بما مررنا به.