ماذا وراء إعلان وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل؟
ماذا وراء إعلان وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل؟

في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة منذ سنوات، أعلن السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، وهي الخطوة التي فتحت الباب أمام تساؤلات عديدة بشأن خلفياتها وسياقها الإقليمي والدولي، وسط تصعيد حاد في الجنوب السوري، وتدخل عسكري إسرائيلي متكرر خلال الأسابيع الماضية.
هدنة غير معلنة رسميًا.. وضبابية في التفاصيل
حتى ساعة إعلان المبعوث الأمريكي، لم تصدر دمشق أو تل أبيب أي موقف رسمي يؤكد أو ينفي التوصل إلى اتفاق، وهو ما أضفى حالة من الغموض على فحوى الاتفاق، ومدى التزام الأطراف به، خاصة أن التوتر الميداني في الجنوب السوري بلغ ذروته، وأسفر عن مئات القتلى والجرحى، وفق بيانات رسمية.
ووفق باراك، فإن الهدنة جاءت بتوافق ضمني يشمل أطرافًا إقليمية، بينها تركيا والأردن ودول مجاورة، في محاولة لتفكيك الوضع المتأزم جنوب سوريا، خصوصًا في محافظة السويداء، حيث تصاعدت الاشتباكات بين العشائر البدوية والمجموعات الدرزية، في ظل تدخل قوات النظام السوري.
الجنوب السوري.. اشتباكات وخسائر فادحة
وقد شهدت محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، مواجهات دامية خلال الأيام الماضية، بين مجموعات مسلحة تنتمي إلى العشائر البدوية من جهة، ومقاتلين دروز من جهة أخرى، وتدخل الجيش السوري أفضى إلى احتكاك مباشر مع الأهالي والمقاتلين المحليين، ما زاد من تعقيد المشهد، ورفع منسوب الخسائر البشرية.
وأكدت وزارة الصحة السورية، أن حصيلة الضحايا ارتفعت إلى 260 قتيلاً و1698 مصابًا، مع صعوبات في إدخال القوافل الطبية إلى المنطقة، نتيجة غياب ممرات آمنة واستمرار التوترات.
الضربات الإسرائيلية.. "حماية الدروز" أم تصعيد إقليمي؟
تزامنًا مع انفجار الوضع الداخلي، نفذت إسرائيل غارات جوية مكثفة على مواقع داخل سوريا، وقالت إنها استهدفت نقاطًا عسكرية تهدد الأقليات، وعلى وجه الخصوص "حماية الدروز" من القمع الحكومي أو الاستهداف الطائفي.
الغارات أثارت ردود فعل متباينة، لكن إسرائيل لم تُصدر بيانًا رسميًا حول ما إذا كانت منخرطة في الهدنة المفترضة.
ورأى مراقبون، أن التلويح الإسرائيلي بـ"حماية الأقليات" يندرج ضمن محاولات لتبرير التدخلات العسكرية، لكنه في الوقت ذاته يعكس قلقًا إسرائيليًا من انزلاق المنطقة الجنوبية نحو فراغ أمني قد تستغله جماعات متطرفة أو ميليشيات مدعومة من أطراف إقليمية أخرى.
واشنطن تقود التهدئة.. ودمشق تتحرك ميدانيًا
التصريحات الأمريكية، سواء من توم باراك أو وزير الخارجية ماركو روبيو، أكدت أن واشنطن بادرت بالتواصل مع الأطراف كافة، في محاولة لإنهاء التصعيد، ووفق التصريحات، فإن اتفاق الهدنة يتضمن التزامات متبادلة من كل طرف، في مقدمتها انسحاب القوات النظامية من بؤر التوتر، وضمان حماية المدنيين، ومنع تجدد الاشتباكات.
ومن جهتها، أعلنت الرئاسة السورية أنها أرسلت قوة ميدانية متخصصة لفض الاشتباكات جنوب البلاد، معتبرة أن ما يجري هو "تمدد مجموعات خارجة عن القانون"، وتعهدت بضمان أمن المدنيين دون اللجوء إلى الانتقام، مشيرة أنها سترد على الفوضى بـ"العدالة والقانون".
هل تصمد الهدنة؟.. الشكوك أكبر من الضمانات
رغم الإعلان الأميركي، فإن الأرض ما تزال حبلى بالمفاجآت. فلا الطرفان الأساسيان — سوريا وإسرائيل — قد أكدا رسميًا التزامهما بالاتفاق، ولا توجد آلية معلنة للرقابة أو التنفيذ. غياب الضمانات الدولية يثير الشكوك حول مدى صمود الهدنة، خصوصًا في بيئة شديدة التداخل السياسي والأمني.
كما أن الدعوة الأميركية للمدنيين من الدروز والبدو والسنة لإلقاء السلاح، تؤشر إلى رغبة دولية في إعادة ترتيب الجنوب السوري، وربما خلق معادلة أمنية جديدة تؤسس لـ"هوية وطنية موحدة"، على حد وصف باراك، لكنّ تحقيق هذا الهدف في ظل الانقسامات والطائفية، يبدو أمرًا بالغ الصعوبة.
ويقول المحلل السياسي السوري سلمان الشيب: إن إعلان الهدنة المفاجئة بين سوريا وإسرائيل يكشف عن تحول في أولويات الفاعلين الإقليميين والدوليين، مشيرًا أن "التوقيت جاء في لحظة حرجة، حيث تتقاطع المصالح الأمنية لإسرائيل مع الضغوط الدولية على دمشق لاحتواء الانفجار الداخلي في الجنوب السوري".
وأضاف الشيب -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، أن هناك مؤشرات على أن الولايات المتحدة تسعى لخلق مظلة تهدئة تسمح بإعادة ضبط التوازن الأمني جنوب سوريا، لا سيما مع ازدياد تدخل أطراف غير حكومية، وصعود التوتر بين مكونات محلية مثل الدروز والعشائر البدوية، ورأى أن إسرائيل استخدمت خطاب حماية الأقليات كغطاء شرعي لتكثيف ضرباتها الجوية، لكنها في الواقع تحاول رسم حدود جديدة لنفوذها الأمني داخل العمق السوري، بعيدًا عن حسابات النظام أو إيران.