أزمة غزة تتفاقم في ظل شح المخابز وتأجيل المساعدات الأمريكية
أزمة غزة تتفاقم في ظل شح المخابز وتأجيل المساعدات الأمريكية

في قطاع غزة المحاصر، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت القصف والفقر والخذلان، بات الجوع سلاحًا إضافيًا تستخدمه إسرائيل لتركيع المدنيين ودفعهم نحو خيارات مريرة.
الجملة التي تتردد على ألسنة الأهالي: "الناس تموت.. وأين الطعام؟!" لم تعد مجرد تعبير عن ضيق الحال، بل باتت صرخة تمثل الحقيقة اليومية لأهالي القطاع.
انتشار الجوع يهدد حياة السكان
وتشير أحدث التقديرات الصادرة عن منظمات إغاثية دولية، أن ما يقرب من 1.8 مليون شخص داخل القطاع يعانون من نقص حاد في الغذاء، في حين يعاني أكثر من 85% من السكان من انعدام الأمن الغذائي، وخصوصًا في شمال غزة، حيث لم تدخل إليه مساعدات منذ أكثر من أسبوعين.
الأطفال وكبار السن هم الأكثر تضررًا، إذ سجلت حالات وفاة بسبب الجوع والجفاف، في وقت باتت فيه الوجبة اليومية مكونة من كسرة خبز – إن وجدت – وقليل من الماء غير النظيف.
مأساة إنسانية تتجاوز الحصار
الأزمة في غزة لم تعد مجرد نتيجة لحصار مستمر منذ سنوات، بل تحولت إلى أداة ممنهجة لإعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديموغرافي، وفق خطة إسرائيلية تسعى إلى دفع السكان من شمال القطاع إلى جنوبه، وتفريغ مناطق كاملة من المدنيين.
وفي ظل استمرار إغلاق المعابر، لا تصل الإمدادات الغذائية والطبية إلا بنسب ضئيلة، بينما تتعثر حركة القوافل الإنسانية، وتُستغل المساعدات كورقة ضغط سياسي وعسكري.
شح المخابز وتوقف الإمدادات
مع انعدام الوقود وتدمير البنية التحتية، توقفت معظم المخابز عن العمل، فيما يعمل القليل منها بطاقة محدودة، وغالبًا تحت تهديد القصف أو شح المواد الأساسية مثل الدقيق والخميرة.
وفقًا لتقارير محلية، لم يبق في شمال غزة سوى أربعة مخابز، تعمل لساعات محدودة في اليوم، وتُواجه طوابير تمتد لمئات الأمتار، بينما يضطر الأهالي للانتظار أكثر من 5 ساعات للحصول على ربطة خبز إن توفرت.
مساعدات أمريكية مؤجلة.. وتساؤلات مثارة
في ظل هذه الكارثة، كان يُفترض أن تنطلق خطة مساعدات أمريكية - إسرائيلية عبر منصات بحرية ومراكز توزيع داخل القطاع. لكن، وبحسب ما كشفه الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية، فإن الخطة تم تأجيلها لأسباب "لوجستية" لم تفصح عنها الجهات المنفذة.
وقال فهمي - في تصريح خاص للعرب مباشر-، الخطة لم تُلغ، بل تم تأجيل تنفيذها الذي كان مقررًا صباح الأحد، إلى موعد غير محدد – ربما الإثنين أو الثلاثاء – دون تقديم توضيحات كافية، ما يثير الشكوك حول الجدية في التعامل مع المأساة الإنسانية الحالية.
وأشار فهمي، أن اعتماد الولايات المتحدة على شركات خاصة وشخصيات غير موثوقة في إدارة المساعدات يعيد إلى الأذهان مشروع "الرصيف البحري" الذي تم تجميده سابقًا، موضحًا أن هذا النهج لا يحظى بإجماع، ويعكس رؤية سياسية تستهدف تقسيم القطاع أكثر من كونه مبادرة إنسانية خالصة.
وحذر فهمي من خطورة تسييس المساعدات، قائلاً: هناك مؤشرات على أن توزيع المساعدات سيُقيّد بشروط الولاء السياسي، مع استبعاد الأطراف المرتبطة بحماس أو الجهاد أو حتى الفصائل الـ14 الموجودة بغزة، ما يهدد بتفكيك البنية الاجتماعية والسياسية للسكان.
وشدد على أن الخطة الأمريكية تتناغم مع مشروع استراتيجي طويل الأمد لإعادة رسم خريطة غزة، موضحًا أن الجيش الإسرائيلي يوسّع عملياته الميدانية في مناطق الجنوب لفرض واقع جديد بالقوة، تحت غطاء المساعدات الإنسانية.