مهلة نوفمبر الأميركية.. واشنطن تضع بيروت أمام اختبار سلاح حزب الله

مهلة نوفمبر الأميركية.. واشنطن تضع بيروت أمام اختبار سلاح حزب الله

مهلة نوفمبر الأميركية.. واشنطن تضع بيروت أمام اختبار سلاح حزب الله
حزب الله

في سباق مع الزمن، يجد لبنان نفسه مجددًا على حافة انفجارٍ سياسي وأمني، بعدما حمل المبعوث الأميركي إلى بيروت، توم براك، رسالةً بالغة الحزم تتعلق بسلاح حزب الله، محددًا مهلة تنتهي بنهاية نوفمبر لإحداث تغيير ملموس في الوضع القائم، الإنذار الذي بدا أقرب إلى "إنذار نهائي" أعاد إلى الأذهان لغة ما قبل الحروب، خاصة مع تزايد مؤشرات التصعيد بين تل أبيب والحزب في الجنوب اللبناني، وبينما تحاول الحكومة اللبنانية النأي بنفسها عن المواجهة، تتعامل إسرائيل مع الملف باعتباره أولوية أمنية لا تقبل التأجيل، وسط ضوء أخضر أميركي مشروط بتقصير أمد الانتظار، وفي خلفية المشهد، تسود أجواء مشحونة داخل المنطقة، يتقاطع فيها الميداني بالسياسي، في ظل تحركات إيرانية وإشارات استخباراتية إلى إعادة ترميم قدرات حزب الله العسكرية، ما يضع بيروت أمام اختبار صعب قد يعيدها إلى دوامة النار.

ضغط مزدوج


تزداد التعقيدات في المشهد اللبناني مع اقتراب موعد المهلة التي منحها المبعوث الأميركي توم براك للجيش اللبناني بشأن قضية سلاح حزب الله، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تمثل "ضغطًا مزدوجًا" من واشنطن وتل أبيب على الحكومة اللبنانية، في محاولة لإحداث اختراق في واحد من أكثر الملفات حساسية منذ اتفاق الطائف.

وبحسب القناة الإسرائيلية الثالثة عشرة، نقل براك خلال اجتماعاته في بيروت رسالة واضحة مفادها أن واشنطن تتوقع من الجيش اللبناني اتخاذ خطوات ملموسة لضبط نشاط حزب الله، وإلا فإن إسرائيل "ستتصرف بنفسها" وستحظى بتفهم أميركي في حال شنت عمليات عسكرية محدودة داخل الأراضي اللبنانية.

ويشير هذا التحذير إلى تحول في الموقف الأميركي من "الاحتواء الدبلوماسي" إلى "الإلزام الميداني"، خصوصًا بعد تصاعد وتيرة الاشتباكات المحدودة على الحدود الجنوبية منذ مطلع الشهر الجاري.

حزب الله يعيد بناء شبكات الإمداد


في المقابل، تستعد إسرائيل لجولة قتال جديدة مع حزب الله قد تستمر لأيام، وفق تقديرات هيئة الأركان الإسرائيلية، وسط حديث عن خطط عسكرية لإعادة تموضع القوات في الشمال، وتؤكد مصادر عسكرية إسرائيلية، أن الهدف من هذه التحركات هو "إعادة فرض الردع" بعد أن فقدت العمليات الجوية المتقطعة فاعليتها في كبح الحزب.

صحيفة هآرتس كشفت، أن الاستخبارات الغربية رصدت "جزءًا من إعادة بناء شبكة الإمدادات العسكرية لحزب الله"، عبر طرق تمر من إيران إلى العراق ثم سوريا وصولًا إلى لبنان.

وتشير التقديرات إلى أن الحزب نجح خلال الأشهر الأخيرة في ترميم بعض بنيته اللوجستية وتخزين شحنات من الصواريخ قصيرة المدى في مناطق جبلية شمال نهر الليطاني.

هذه التطورات دفعت هيئة البث الإسرائيلية إلى التحذير من أن "لا مكان محصنًا في لبنان" في حال استمر الحزب في مسار إعادة التسلح، وهو تصريح يعكس ارتفاع مستوى التهديدات الإسرائيلية إلى أقصى حد منذ حرب يوليو 2006.

المواجهة ستكون كارثية


في بيروت، يُقرأ التحذير الأميركي – الإسرائيلي على أنه جزء من حملة ضغط أوسع تستهدف إعادة تعريف العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله، الحكومة اللبنانية، التي تواجه انهيارًا اقتصاديًا واحتقانًا سياسيًا داخليًا، تجد نفسها عاجزة عن اتخاذ مواقف حاسمة خشية إشعال مواجهة داخلية أو تعريض مؤسساتها العسكرية للانقسام.

مصادر سياسية لبنانية نقلت عن مسؤولين في وزارة الدفاع قولهم: إن أي مواجهة عسكرية بين الجيش والحزب ستكون "كارثية" على وحدة البلاد، وأن التعامل مع الملف يتطلب توافقًا داخليًا لا يتوافر حاليًا.

في المقابل، يرى مراقبون، أن واشنطن تسعى من خلال براك إلى اختبار قدرة الدولة اللبنانية على ضبط حدودها الجنوبية، تمهيدًا لتسوية أوسع تشمل دور الحزب في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، فالتصعيد الحالي لا يمكن فصله عن التوتر الإقليمي الممتد من سوريا إلى العراق، حيث تتقاطع خطوط الإمداد الإيرانية مع مصالح إسرائيل الأمنية.

أما في إسرائيل، فتسود أجواء من التعبئة والاستعداد، فوسائل الإعلام العبرية تنقل باستمرار مشاهد مناورات الجيش الشمالي، فيما يلوّح قادة المؤسسة العسكرية بإمكانية تنفيذ "ضربة استباقية" إذا فشلت المساعي الدبلوماسية.

وتشير صحيفة معاريف، إلى أن المؤسسة الأمنية في تل أبيب تدرس خيارات الردع النفسي عبر تكثيف القصف الإعلامي والتهديدات العلنية، دون الانزلاق إلى حرب شاملة، في محاولة لإبقاء حزب الله في دائرة الضغط المستمر.

لا مجال للحسابات الخاطئة


من جانبه، يرى الدكتور مصطفى علوش، أن المهلة الأميركية التي حددها المبعوث توم براك تمثل في جوهرها "اختبارًا سياسيًا للبنان أكثر منها إنذارًا عسكريًا"، مشيرًا إلى أن واشنطن تحاول عبر هذا التصعيد ضبط توازن الردع في الجنوب، من دون أن تنزلق إلى حرب مفتوحة لا تريدها في هذه المرحلة.

ويضيف علوش في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الموقف الأميركي يعكس قناعة راسخة لدى الإدارة بأن الدولة اللبنانية فقدت السيطرة على قرار السلم والحرب، وأن حزب الله بات يحدد إيقاع العلاقة مع إسرائيل ومع الداخل في آنٍ واحد.

ومع ذلك، يرى أن واشنطن تدرك محدودية قدرة الجيش اللبناني على مواجهة الحزب، لذا فهي تراهن على "الضغط السياسي والدبلوماسي" أكثر من الرهان على القوة.

ويؤكد علوش، أن أي عمل عسكري إسرائيلي واسع ضد لبنان سيؤدي إلى انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة، وقد يُحدث شرخًا داخليًا خطيرًا لا يمكن احتواؤه بسهولة.

ويختم بالقول: إن "لبنان أمام لحظة دقيقة لا تحتمل الحسابات الخاطئة"، فالمطلوب – برأيه – هو تحرك وطني عاجل لتثبيت مفهوم السيادة عبر الحوار الداخلي، قبل أن تتحول المهلة الأميركية إلى شرارة مواجهة إقليمية جديدة.