لهيب العراق.. حرارة تتجاوز 52 مئوية وتعطيل الدوام في عدة محافظات
لهيب العراق.. حرارة تتجاوز 52 مئوية وتعطيل الدوام في عدة محافظات

في مشهد يعكس حجم التحديات المناخية التي تواجه العراق، أجبرت موجة حرٍّ غير مسبوقة السلطات على إعلان تعطيل الدوام الرسمي في عدة محافظات، بعدما تجاوزت درجات الحرارة حاجز 52 درجة مئوية في بعض المناطق، وبينما ترزح البلاد تحت وطأة حرارة لاهبة، تتفاقم المعاناة بسبب انهيار شبه كلي في منظومة الطاقة الكهربائية، وسط أزمة غاز مستورَد من إيران ما تزال دون حل، من بغداد إلى البصرة، ومن واسط إلى ذي قار، يتكرر السيناريو ذاته: مدن تختنق من الحرارة، وسكان محرومون من التبريد، ومدارس ومؤسسات تغلق أبوابها اضطرارًا، هذه الموجة ليست مجرد حالة طقس استثنائية، بل باتت مؤشرًا واضحًا على مستقبل مناخي قاسٍ يضرب قلب بلاد الرافدين، في ظل هشاشة البنية التحتية وغياب البدائل الطاقوية.
*كتلة هوائية حارة*
تشهد مناطق واسعة من العراق منذ مطلع الأسبوع الحالي موجة حر شديدة تجاوزت كل التوقعات الموسمية، لتسجّل درجات حرارة قياسية دفعت السلطات المحلية إلى تعطيل الدوام الرسمي في عشر محافظات، على رأسها بغداد وواسط والبصرة وذي قار وميسان وبابل.
وبلغت درجة الحرارة في بعض المناطق، وفق الهيئة العامة للأنواء الجوية، 52 مئوية، وهو مستوى يقترب من أعلى الأرقام المسجلة عالميًا.
وتُعزى هذه الموجة إلى كتلة هوائية حارّة قادمة من شبه الجزيرة العربية، تفاقمت بسبب ضعف حركة الرياح وغياب الغطاء النباتي وتدهور البنية البيئية في البلاد، لا سيما في المناطق الجنوبية التي تعاني من تصحّر متسارع منذ سنوات.
وقال المتحدث باسم هيئة الأنواء الجوية، عامر الجابري: إن "الذروة ستبلغ أقصاها اليوم الأحد، ومن المتوقع أن تنكسر تدريجيًا بدءًا من الثلاثاء"، موضحًا أن درجات الحرارة في المحافظات الشمالية أقل نسبيًا، لكنها ما تزال عند مستويات خانقة تراوحت بين 44 و49 درجة.
*انقطاع الكهرباء يزيد المأساة*
في الوقت الذي تسجل فيه الحرارة مستوياتها القصوى، يعيش العراقيون أزمة مركّبة بسبب ضعف شبكة الكهرباء الوطنية، إذ لا تستطيع تغطية الطلب المتزايد على الطاقة، خاصة في أوقات الذروة نهارًا.
وتفاقمت الأزمة مع توقف توريد الغاز الإيراني المستخدم لتشغيل غالبية محطات الكهرباء، نتيجة تراكم الديون على العراق.
في هذا السياق، يقول حيدر الساعدي، الخبير في شؤون البيئة: ما يحدث اليوم هو نتيجة تراكمات مزمنة، فالعراق يعتمد بنسبة تفوق 40% على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، دون أن يملك بدائل حقيقية أو استثمار جاد في الطاقة الشمسية أو المحلية".
وأضاف الساعدي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الحلول المؤقتة كشراء طاقة من دول الجوار لا تكفي، والمواطن هو من يدفع الثمن في النهاية، سواء كان في الجنوب الذي يعاني من الرطوبة العالية، أو في الداخل الصحراوي الذي يشهد درجات حرارة ملتهبة.
*تحذيرات صحية ومخاوف بيئية*
وزارة الصحة العراقية دعت المواطنين إلى تجنّب التعرض المباشر لأشعة الشمس، خاصة بين الساعة 11 صباحًا و4 عصرًا، وشددت على أهمية الإكثار من شرب الماء وتجنب المجهود البدني.
وحذرت من ارتفاع نسبة الإصابة بضربات الشمس، خاصة بين كبار السن والأطفال والعمال الذين يعملون في الهواء الطلق.
وأثار مشهد الشوارع الخالية خلال ساعات النهار القائظ مخاوف من تحولات بيئية أشد وطأة في المستقبل، وسط دعوات خبراء لإعادة النظر في الخطط الوطنية للطاقة والمناخ، والعمل على استراتيجيات تكيف طويلة الأمد تشمل الزراعة والبيئة والصحة العامة.
*واقع متكرر بلا استعداد كافٍ*
يقول الساعدي: لا تعد هذه الموجة الأولى التي يشهدها العراق، لكنها تأتي في سياق مناخي أشد اضطرابًا، حيث تشير توقعات مناخية إلى تكرار مثل هذه الظواهر مستقبلاً بوتيرة أعلى.
وتابع الساعدي: مع غياب بنى تحتية مرنة، تبرز الحاجة الماسة لإصلاحات جذرية في قطاعات البيئة والطاقة والمياه، إلى جانب تحديث أنظمة الإنذار المبكر وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية على التكيّف.
ويضيف: العراق يقع ضمن حزام جغرافي حساس، ويعاني من عوامل متداخلة، منها الجفاف، وتدهور الغطاء النباتي، والزحف الصحراوي، ما يفاقم تأثير أي موجة حر، ومع الأسف، لا توجد حتى الآن سياسات وطنية واضحة للتكيف المناخي، لا على مستوى المدن ولا البنى التحتية.
ويحذر الساعدي من أن استمرار هذا الإهمال قد يجعل بعض المناطق العراقية غير صالحة للسكن خلال فصول الصيف خلال العقود المقبلة، ويقترح "إدماج المناخ في السياسات العامة، واستثمار الطاقة الشمسية، وإعادة تأهيل المدن بيئيًا، خصوصًا عبر التوسع الأخضر وتبريد الفضاءات العامة"، بدلًا من المعالجات الطارئة التي لا تلامس جوهر المشكلة.