صنعاء تحت القصف.. حرب استنزاف إسرائيلية تهدد اقتصاد الحوثيين
صنعاء تحت القصف.. حرب استنزاف إسرائيلية تهدد اقتصاد الحوثيين

تبدو سماء اليمن اليوم مشتعلة أكثر من أي وقت مضى، فالغارات الإسرائيلية التي بدأت قبل أكثر من عامٍ لم تعد مجرد ضربات محدودة، بل تحولت إلى حملة عسكرية مستمرة تستهدف قلب البنية التحتية التي يعتمد عليها الحوثيون، فمن موانئ الحديدة إلى مطار صنعاء، ومن محطات الكهرباء إلى مصانع الإسمنت، لم ينجُ أي مرفق استراتيجي من الهجمات.
وفي المقابل، يصر الحوثيون على أن ردهم سيستمر طالما بقيت الحرب على غزة مستعرة، ما يجعل هذه المواجهة جزءًا من مشهد إقليمي أوسع يتشابك فيه المحلي بالإقليمي، واليمني بالإيراني، وصولًا إلى حسابات تل أبيب في البحر الأحمر، ومع كل ضربة جديدة، تزداد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى مرحلة أكثر خطورة، خصوصًا مع تنامي الحديث عن مواجهة محتملة بين إيران وإسرائيل قد تدفع الحوثيين إلى الانخراط المباشر فيها، ما يجعل اليمن ساحة مركزية لإعادة رسم خرائط النفوذ الإقليمي.
معادلة ردع جديدة
تشير المعطيات الميدانية إلى أن إسرائيل اعتمدت منذ يوليو 2024 إستراتيجية ممنهجة تستهدف استنزاف قدرات الحوثيين الاقتصادية والعسكرية على حد سواء، فالهجمات الجوية والبحرية، التي وصلت إلى 15 غارة كبرى حتى سبتمبر 2025، ركزت على تدمير المنشآت التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد الجماعة.
وتشير تقديرات دولية، أن خسائر الحوثيين تجاوزت 800 مليون دولار، نتيجة توقف ميناء الحديدة عن العمل جزئيًا وتدمير مطار صنعاء الذي كان يمثل بوابة مهمة لعمليات التدريب والتهريب العسكري.
غير أن التحول الأبرز وقع في أغسطس 2025 عندما استهدفت إسرائيل مقر الحكومة الحوثية غير المعترف بها؛ ما أدى إلى مقتل رئيسها أحمد غالب الرهوي وعدد من كبار المسؤولين.
هذه العملية لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل حملت دلالات سياسية ورسائل بأن تل أبيب لم تعد تكتفي بإضعاف البنية الاقتصادية، بل باتت تلاحق رموز السلطة في صنعاء.
في المقابل، لم يقف الحوثيون مكتوفي الأيدي، فقد كثفوا إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على العمق الإسرائيلي، واستهدفوا موانئ حيوية على البحر الأحمر؛ ما أدى إلى تعطيل حركة الشحن لفترات قصيرة وزيادة كلفة التأمين على السفن التجارية.
ووفق مراقبين، فإن هذه الضربات لم تكن فقط انتقامية، بل محاولة لفرض معادلة ردع جديدة تجعل تل أبيب تفكر مرتين قبل توسيع حملتها.
أبرز ميادين النفوذ الإيراني
قال اللواء نصر سالم الخبير الاستراتيجي: إن إسرائيل ترى في اليمن جبهة مفتوحة لا تقل خطورة عن غزة ولبنان، فمن وجهة نظر إسرائيل يمثل الحوثيون أحد أذرع إيران التي تهدد أمن الملاحة الدولية، ولا سيما في مضيق باب المندب، ومن هنا جاءت مشاركة البحرية الإسرائيلية في العمليات منذ يونيو الماضي، في مؤشر على أن تل أبيب تحاول منع تحول البحر الأحمر إلى ممر آمن لتهديداتها الاستراتيجية.
على الصعيد الإقليمي، يربط سالم في حديثه لـ"العرب مباشر"، بين هذه التطورات وبين التصعيد المستمر مع طهران، موضحًا أن اليمن، إلى جانب العراق وسوريا ولبنان، يشكل أحد ميادين النفوذ الإيراني، وأي ضربة إسرائيلية هناك تُقرأ على أنها جزء من معركة أوسع لكبح التمدد الإيراني.
وأكد سالم، أن استمرار هذه المواجهة قد يؤدي إلى انخراط الحوثيين بشكل أكبر في أي حرب مقبلة بين إيران وإسرائيل، وهو ما قد يحوّل اليمن إلى جبهة ساخنة يصعب احتواؤها، وتنعكس هذه المخاوف على الوضع الإنساني في البلاد، حيث يهدد تدمير الموانئ والمطارات بزيادة أزمة الغذاء والدواء التي تعصف بالملايين من السكان.
إعادة تشكيل موازين القوى
في السياق ذاته، يرى الدكتور محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، أن الهجمات الإسرائيلية على اليمن تمثل نقطة تحول خطيرة في مسار الصراع الإقليمي.
ويوضح، أن استهداف البنية التحتية الاقتصادية للحوثيين ليس مجرد محاولة لإضعاف الجماعة عسكريًا، بل هو مسعى لإعادة تشكيل موازين القوى في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ويشير المنجي -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن الضربات التي طالت موانئ الحديدة ومطار صنعاء ستترك آثارًا كارثية على الوضع الإنساني، إذ إن هذه المرافق تمثل شريان الحياة لملايين اليمنيين الذين يعتمدون على الواردات الغذائية والطبية عبر هذه المنافذ.
ويرى، أن تل أبيب تحاول عبر هذه العمليات إرسال رسائل مزدوجة، الأولى إلى طهران بأنها مستعدة لفتح جبهات جديدة إذا استمر دعمها لوكلائها، والثانية إلى المجتمع الدولي بأنها تدافع عن حرية الملاحة في البحر الأحمر.
لكنه يحذر من أن استمرار هذه العمليات قد يدفع الحوثيين إلى تصعيد أكبر يشمل استهداف السفن الإسرائيلية أو حتى سفن دول حليفة، ما قد يجر المنطقة إلى مواجهة بحرية واسعة النطاق.
ويختتم المنجي بالقول: إن هذه المواجهة لن تبقى محصورة في اليمن، بل ستنعكس على مسار الحرب في غزة وتوازن القوى في الخليج؛ مما يجعل العام المقبل حاسمًا في تحديد شكل التحالفات الإقليمية.