إسرائيل ترسم خرائط الاستهداف في اليمن.. سباق استخباراتي مع هجمات الحوثيين

إسرائيل ترسم خرائط الاستهداف في اليمن.. سباق استخباراتي مع هجمات الحوثيين

إسرائيل ترسم خرائط الاستهداف في اليمن.. سباق استخباراتي مع هجمات الحوثيين
قصف اليمن

في وقت تتسارع فيه تفاعلات الحرب الإقليمية التي امتدت من غزة إلى البحر الأحمر واليمن، باتت إسرائيل تجد نفسها أمام تحدٍ متصاعد قادم من جنوب الجزيرة العربية، فالهجمات الحوثية المتواصلة بالصواريخ والطائرات المسيّرة لم تعد مجرد رسائل تضامن مع غزة، بل تحوّلت إلى معضلة أمنية مباشرة تُهدد العمق الإسرائيلي وتربك حسابات جيشها، في هذا السياق، تكشف مصادر سياسية عن جهود استخباراتية محمومة في تل أبيب لبناء "بنك أهداف" متكامل ضد الحوثيين، يشمل مراكز القيادة والبنية العسكرية والقدرات الدفاعية، هذه الخطوة تعكس إدراكًا متزايدًا في إسرائيل بأن تجاهل ساحة اليمن لم يعد ممكنًا، وأن أية عملية عسكرية مستقبلية تحتاج إلى قاعدة معلومات صلبة لتقليل المخاطر ورفع مستوى الردع، ومع صعوبة الوصول إلى مواقع الحوثيين المحصنة تحت الأرض، يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في سباق مع الزمن لصياغة استراتيجية جديدة تتجاوز حدود العمليات التقليدية.


بنك أهداف 


تُشير المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام العبرية، نقلاً عن مصادر سياسية وعسكرية، إلى أن إسرائيل بدأت بالفعل في تكثيف عمليات جمع المعلومات عن ميليشيا الحوثي في اليمن.


الهدف المعلن هو إعداد "بنك أهداف" واسع النطاق يمكن من خلاله توجيه ضربات دقيقة تستهدف مراكز ثقل الجماعة.


هذا التحرك يأتي في وقت تواجه فيه تل أبيب تصاعدًا لافتًا في وتيرة الهجمات القادمة من اليمن، وهو ما جعل الجبهة الداخلية الإسرائيلية مكشوفة بشكل غير مسبوق.


وتؤكد هذه المصادر أن المحاولة الأخيرة لاغتيال رئيس هيئة الأركان الحوثي، محمد عبد الكريم الرمرائي، خلال اجتماع مع قيادات بارزة، تكشف عن حجم النشاط الاستخباراتي الجاري خلف الكواليس، وفقا لموقع واللا العبري، ورغم فشل المحاولة، فإنها تعكس رغبة إسرائيل في الانتقال من مرحلة الرصد إلى الاستهداف المباشر، حتى وإن كان النجاح جزئيًا أو مؤقتًا.


إخفاق واشنطن


لكن التحديات أمام هذه الاستراتيجية كبيرة، فبحسب مسؤولين عسكريين إسرائيليين، ما يزال كثير من البنية العسكرية للحوثيين عصيًا على الكشف، نظرًا لانتشارها تحت الأرض أو اعتمادها على أنماط تمويه متقدمة.


وهذا يفسر لماذا ترى تل أبيب أن بناء بنك أهداف فعال يتطلب وقتًا وموارد هائلة، فضلاً عن تعاون استخباراتي إقليمي وربما دولي.


اللافت أن هذا التحرك الإسرائيلي يتقاطع مع إخفاقات سابقة لواشنطن في مواجهة الحوثيين. فعلى الرغم من تنفيذ الولايات المتحدة أكثر من ألف غارة جوية خلال العامين الماضيين، فإن النتائج لم تحقق المستوى المطلوب من الردع.


صحيح أن الغارات دمّرت مواقع قيادة وسيطرة ومخازن أسلحة ومنظومات دفاع جوي، لكنها لم توقف الهجمات الحوثية المستمرة.
بالنسبة لإسرائيل، فإن هذا الفشل الأمريكي يعد بمثابة تحذير مسبق من أن القوة الجوية وحدها قد لا تكون كافية.


استنزاف مزدوج


وبينما تنشغل إسرائيل بحرب غزة المفتوحة، يدور في أروقة مؤسستها الأمنية نقاش متزايد حول إمكانية فتح جبهة موازية مع الحوثيين.


البعض يُحذر من أن فتح هذا المسار سيؤدي إلى استنزاف مزدوج للقوات والموارد، فيما يرى آخرون أن تجاهل تهديد الحوثيين سيجعل إسرائيل في وضع دفاعي هش، خصوصًا إذا قرر الحوثيون توسيع نطاق عملياتهم بمجرد شروع الجيش الإسرائيلي في عملية برية واسعة داخل غزة.


من هنا، تتضح أهمية "بنك الأهداف" الجاري إعداده، فالمصادر الإسرائيلية ترى أن أي عملية فعالة ضد الحوثيين يجب أن تكون مركزة وشاملة في آن واحد، تستهدف البنية التحتية العسكرية والمواني وطرق الإمداد والقدرات الدفاعية.


والغاية هي إحداث "صدمة استراتيجية" للجماعة تجبرها على التراجع أو على الأقل إبطاء وتيرة هجماتها.


أما على المستوى السياسي، فإن الانخراط الإسرائيلي المباشر ضد الحوثيين قد يعقّد العلاقات الإقليمية، فاليمن يُمثل ساحة شديدة الحساسية ترتبط بالصراع الإيراني - السعودي وبالممرات البحرية الدولية في البحر الأحمر.


دخول إسرائيل على خط المواجهة بشكل معلن قد يدفع إيران إلى تعزيز دعمها للحوثيين، وربما يفتح الباب لتوسيع نطاق المواجهة بما يتجاوز الحسابات الحالية.


تحدي مزدوج


من جانبه، يرى المحلل السياسي اليمني صالح علي الدويل أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تجاه الحوثيين تمثل مرحلة جديدة في تعقيد الصراع بالمنطقة، ويشير إلى أن أي محاولة إسرائيلية لتأسيس "بنك أهداف" في اليمن ليست مجرد خطوة عسكرية، بل هي انعكاس لقراءة استراتيجية تعتبر الحوثيين جزءًا من "محور الضغط الإيراني" على إسرائيل، بعد أن تحولت هجماتهم من رمزية إلى عملياتية ذات أثر ملموس على أمنها الداخلي.

ويُؤكد الدويل - في حديثه لـ"العرب مباشر" - أن إسرائيل تواجه تحديًا مزدوجًا، فمن جهة تحتاج إلى إظهار قدرتها على الردع لحماية جبهتها الداخلية، ومن جهة أخرى تخشى الانجرار إلى مستنقع الحوثي الذي عجزت قوى كبرى مثل الولايات المتحدة عن حسمه رغم كثافة ضرباتها.


ويُضيف أن الطبيعة الجغرافية الوعرة والبنية التنظيمية العقائدية للحوثيين تجعل من أي عملية عسكرية مباشرة محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من شعبية الجماعة داخليًا وتوسع نفوذها إقليميًا.


ويخلص الدويل إلى أن إسرائيل قد تعتمد، في المدى القريب، على ضربات نوعية محدودة تستهدف قيادات ومراكز حساسة للحوثيين، بالتوازي مع تكثيف العمل الاستخباراتي.