باب المندب ممر الجثث الطافية.. غرق عشرات المهاجرين الأفارقة على سواحل اليمن

باب المندب ممر الجثث الطافية.. غرق عشرات المهاجرين الأفارقة على سواحل اليمن

باب المندب ممر الجثث الطافية.. غرق عشرات المهاجرين الأفارقة على سواحل اليمن
الهجرة غير الشرعية

في عرض بحرٍ لا يرحم، وعلى متن قوارب تهريب لا تحمل سوى الألم واليأس، يسير آلاف المهاجرين الأفارقة نحو مصير مجهول، مدفوعين بحلم النجاة من الفقر والحرب، لكن البحر، الذي بدا كجسر عبور إلى فرصة أفضل، تحول مجددًا إلى فخ قاتل، أحدث الفواجع وقعت قبالة سواحل اليمن، حيث ابتلع البحر أكثر من مئة مهاجر إثيوبي، بين قتيل ومفقود، في واحدة من أكثر حوادث الغرق دموية خلال العام، هذه ليست مجرد مأساة عابرة، بل تجسيد دامٍ لتقاطع الجغرافيا بالنزوح القسري، حيث لا تعني الحرب في اليمن توقف الهجرة إليه، بل تضاعفها، مدفوعة بمسارات الاتجار بالبشر التي تستغل هشاشة الدولة والفقر الإقليمي.

*شبكات التهريب*


في مأساة إنسانية تتكرر بوجوه مختلفة وسواحل متعددة، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة غرق قارب مكتظ بـ154 مهاجرًا إثيوبيًا غير نظامي، قبالة سواحل محافظة أبين اليمنية.

الحادث، الذي أسفر عن مقتل 68 شخصًا وفقدان 74 آخرين، يكشف عمق الأزمة التي تضرب منطقة القرن الأفريقي وتغذي شبكات التهريب التي تنشط على طول خطوط النزوح من إثيوبيا مرورًا بجيبوتي، وصولًا إلى اليمن.

الروايات التي جمعتها فرق الإنقاذ والجهات الأمنية في أبين تشير إلى أن القارب كان يعبر ليلًا في محاولة تفادي الرصد الأمني، قبل أن ينقلب بسبب الحمولة الزائدة والظروف البحرية السيئة. 

نجا 12 مهاجرًا فقط، في حين لفظت أمواج البحر جثث 54 منهم إلى شاطئ مديرية خنفر، وتم العثور على 14 آخرين في موقع مختلف؛ مما يرجّح أن عدد الضحايا النهائي قد يرتفع مع استمرار عمليات البحث.

وتنفذ قوات الأمن اليمنية، بمشاركة الحزام الأمني، عملية انتشال واسعة على الشواطئ الممتدة، وسط تقديرات بوجود جثث أخرى لم تُعثر عليها بعد. 

وقد أشار بيان رسمي من إدارة أمن أبين، أن ظاهرة قوارب التهريب باتت تمثل عبئًا أمنيًا وإنسانيًا متزايدًا على المحافظة.

*ملاذ مؤقت*


ورغم أن اليمن غارق في نزاع داخلي منذ عام 2014، إلا أن ذلك لم يردع عشرات الآلاف من المهاجرين من مواصلة التسلل إليه، المفارقة المأساوية أن اليمن، الذي يعدّ من أخطر البلدان حاليًا من حيث الوضع الأمني والاقتصادي، ما يزال يُنظر إليه من قِبل كثير من الإثيوبيين – وخاصة من قومية الأورومو المضطهدة سياسيًا – كنقطة عبور نحو الخليج أو كملاذ مؤقت للهروب من القمع والفقر والجفاف.

ويمثل مضيق باب المندب، الرابط بين جيبوتي واليمن، أحد أكثر طرق الهجرة غير الشرعية خطورة في العالم، لا يمر الأسبوع دون أن تعبره قوارب صغيرة محمّلة بالمهاجرين، وسط تجاهل دولي متزايد وغياب شبه تام لأي حماية قانونية أو إنسانية لهؤلاء المهاجرين.

وتقول المنظمة الدولية للهجرة: إن ما يقرب من 61 ألف مهاجر وصلوا إلى اليمن في عام 2024 وحده، رغم الظروف الكارثية هناك، ويجد كثير منهم أنفسهم عالقين في ظروف قاسية، بين العبودية الحديثة في بعض المزارع أو الاحتجاز من قبل جماعات مسلحة، فضلًا عن انتشار حالات الاتجار بالأعضاء أو الابتزاز لعائلاتهم في الوطن الأم.

*شبكات التهريب العابرة للحدود*


الخطير في هذه الظاهرة هو التنظيم المحكم لشبكات التهريب، التي تستفيد من الفوضى الأمنية لتسيير قواربها بشكل شبه يومي، تلك الشبكات، التي تنشط في إثيوبيا وجيبوتي واليمن، تعمل بتنسيق مدروس، حيث يتم تجميع المهاجرين في معسكرات مؤقتة، قبل نقلهم عبر البحر مقابل مبالغ تصل إلى ألف دولار للفرد، وهو رقم ضخم مقارنة بمستوى الفقر السائد في إثيوبيا.

وتكشف شهادات ناجين، أن بعض المهرّبين يعمدون إلى استخدام التهديد أو العنف لإجبار المهاجرين على ركوب القوارب رغم سوء الأحوال الجوية، فيما يُجبر آخرون على دفع "رسوم حماية" جديدة بمجرد الوصول إلى اليابسة، وإلا يواجهون القتل أو الخطف.

*دعوات أممية لوقف النزيف*


في ضوء هذه المأساة، دعت المنظمة الدولية للهجرة إلى تحرك دولي عاجل لتوفير بدائل آمنة للهجرة من القرن الأفريقي، وتعزيز آليات مراقبة الشواطئ وطرق التهريب، مع ضرورة الضغط على الحكومات الإقليمية لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة مثل الفقر، النزاع المسلح، واضطهاد الأقليات.

كما ناشدت منظمات حقوقية المجتمع الدولي بعدم تجاهل خطورة الوضع في اليمن كمحطة للهجرة، داعية إلى إنشاء مراكز إيواء مؤقتة بإشراف أممي لتقديم الرعاية الطبية والنفسية للمهاجرين، بدلًا من تركهم فريسة للمجهول.

*مؤشر خطير*


من جانبه، يرى المحلل السياسي اليمني باسم الحكيمي، أن مأساة غرق المهاجرين قبالة سواحل أبين ليست مجرد حادث عرضي، بل مؤشر خطير على تدهور الأمن البحري وتضخم شبكات التهريب في منطقة جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

ويقول الحكيمي - في تصريحات لـ"العرب مباشر"-: إن استمرار تدفق المهاجرين إلى اليمن، رغم الحرب والفوضى والانهيار الاقتصادي، يعكس خللًا بنيويًا في تعاطي المجتمع الدولي مع أزمات القرن الأفريقي، مشيرًا أن السلطات اليمنية، المنهكة أصلًا، غير قادرة بمفردها على مواجهة هذا التحدي الإقليمي المتشابك.

ويضيف: أن الطريق البحري من جيبوتي إلى اليمن أصبح تحت سيطرة عصابات عابرة للحدود، تتقاطع مصالحها أحيانًا مع أطراف محلية مسلحة تستفيد من تهريب البشر، سواء عبر فرض إتاوات أو استغلال المهاجرين في أعمال قسرية.

ويحذر الحكيمي من أن تكرار هذه الحوادث سيُعمّق صورة اليمن كمنطقة عبور فوضوية للمهاجرين، ويزيد من هشاشة الأمن الإقليمي في البحر الأحمر، داعيًا إلى تحرك أممي أكثر حزمًا يشمل دعمًا لوجستيًا للسلطات المحلية، وتنسيقًا أمنيًا مع دول المصدر كمثل إثيوبيا وجيبوتي، فضلًا عن فتح قنوات هجرة شرعية وآمنة تحدّ من استغلال المهاجرين وتحفظ كرامتهم وحقهم في الحياة.