النووي الإيراني خارج الرقابة.. طهران تقطع خيوط التعاون مع الوكالة الذرية.. ما التداعيات؟

النووي الإيراني خارج الرقابة.. طهران تقطع خيوط التعاون مع الوكالة الذرية.. ما التداعيات؟

النووي الإيراني خارج الرقابة.. طهران تقطع خيوط التعاون مع الوكالة الذرية.. ما التداعيات؟
إيران

في خطوة تعكس تصعيدًا حادًا في المواجهة بين إيران والغرب، صادق البرلمان الإيراني على قرار يقضي بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما يبدو أنه رد سياسي وعقابي على الضربات التي استهدفت منشآت نووية داخل البلاد، القرار الذي نال موافقة شبه جماعية من النواب، لا يمثل مجرد موقف تقني من جهة رقابية دولية، بل يحمل أبعادًا استراتيجية تتصل مباشرة بمستقبل الملف النووي الإيراني، والمناخ الإقليمي المتوتر أصلًا.

 وبينما تصف طهران هذه الضربات بأنها انتهاك للسيادة وتجاوز للخطوط الحمراء، فإن تعليق التعاون مع الوكالة الذرية يعكس تحوّلًا محوريًا في معادلة الرد الإيراني، ليس فقط باتجاه التشدد، بل أيضًا باتجاه تقليص الشفافية، في خلفية المشهد، تقف حسابات الردع، وضغوط الداخل، وأشباح العقوبات الدولية؛ مما يجعل من هذا القرار نقطة مفصلية قد تفتح على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الإقليمي.

*فقدت مصداقيتها*


بأغلبية كاسحة وغياب شبه تام لأي معارضة، صوّت البرلمان الإيراني اليوم على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تصعيد نوعي يشي بتبدّل في قواعد اللعبة النووية التي تحكم علاقة طهران بالمجتمع الدولي منذ سنوات.

القرار، الذي حمل عنوان: "إلزام الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة"، جاء وسط مناخ متفجر بعد الضربات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت مواقع نووية إيرانية، فيما تعتبره طهران اعتداءً سافرًا على سيادتها الوطنية.

رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، لم يترك مجالًا للبس في خطابه أمام الجلسة: الوكالة الدولية لم تدِن الهجمات، وبالتالي فقدت "مصداقيتها"، بحسب تعبيره. وذهب أبعد من ذلك حين أعلن أن البرنامج النووي الإيراني السلمي سيمضي "بوتيرة أسرع"، وكأنّ تعليق التعاون الرقابي لا يتناقض مع سلمية البرنامج، بل يخدمها، قاليباف لم يتحدث وحده، بل عبّر عن موقف مؤسسة الحكم الإيراني الذي يميل أكثر إلى نهج الحسم والتصعيد في هذه المرحلة.

*الأبعاد السياسية والرمزية للقرار*


من خلال هذا التصويت، باتت الحكومة الإيرانية مخوّلة قانونًا بتقليص أو وقف الإجراءات الرقابية التي كانت تطبقها بالتعاون مع الوكالة، بدءًا من عدم تركيب الكاميرات في المنشآت، ومرورًا بعدم السماح بدخول المفتشين، وانتهاءً بتجميد التقارير الدورية.

وهو ما أكد عليه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بشكل صريح، قائلًا: إن "أي تعاون مستقبلي مرهون بضمان أمن المواقع النووية".

يرى المراقبون، أن توقيت القرار ليس عفويًا، بل مدروس بعناية، ويأتي على خلفية تصعيد متعدد الجبهات تشهده إيران، سواء من قبل إسرائيل التي تنفذ اغتيالات وهجمات دقيقة، أو من قبل الولايات المتحدة التي تتبنى سياسة الضغوط القصوى.

في هذا السياق، يعتبر القرار بمثابة إعلان رسمي عن انسحاب جزئي من نظام الشفافية النووية، ويعكس في الوقت ذاته تصميمًا على التصعيد المنضبط.

*الاحتمالات والسيناريوهات المقبلة*


المخاوف التي يطرحها المجتمع الدولي بعد هذا القرار لا تقتصر على غموض البرنامج النووي الإيراني، بل تمتد إلى ما قد يترتب عليه من خطوات مضادة، أبرزها إعادة فرض العقوبات الأممية، أو سعي قوى دولية إلى حشد إجماع دولي لعزل إيران دبلوماسيًا.

 الأخطر من ذلك، أن دولًا مثل إسرائيل قد تعتبر هذا التحوّل بمثابة ضوء أخضر لتوجيه ضربات استباقية أوسع، تحت ذريعة منع إيران من امتلاك قدرات تسليحية نووية مستقبلية.

وفي المقابل، قد تراهن طهران على تعقيدات البيئة الدولية، خصوصًا في ظل انقسام مجلس الأمن وعدم وجود إرادة موحدة داخل الغرب لفتح جبهة جديدة في الشرق الأوسط. 

وهو ما يمنح إيران، بحسب مراقبين، هامش مناورة مؤقت يسمح لها بزيادة الضغوط السياسية دون تحمل التكاليف الكاملة فورًا.

*رسالة مزدوجة*


اللافت، أن هذا القرار يأتي بعد سنوات من المفاوضات الدقيقة التي قادتها إيران مع القوى الغربية عبر قنوات متعددة، أبرزها مفاوضات فيينا، الآن، تُطوى صفحة من الشفافية التقنية، وتُفتح صفحة جديدة من المواجهة السياسية، حيث تسود لغة التهديد على حساب لغة الدبلوماسية.

من جهته، يقول الدكتور محمد محسن، الخبير في الشؤون الإيرانية: إن قرار البرلمان الإيراني بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يمكن قراءته بمعزل عن التصعيد المتزايد في البيئة الإقليمية والدولية.

وأضاف -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن طهران ترى في الهجمات الأخيرة على منشآتها النووية، سواء المنسوبة لإسرائيل أو الولايات المتحدة، انتهاكًا صريحًا لسيادتها ولقواعد القانون الدولي، وهو ما دفعها لاعتماد نهج أكثر تشددًا في إدارة ملفها النووي.
ويضيف محسن: أن هذا القرار يحمل رسالة مزدوجة، أولًا للداخل الإيراني، لتعزيز الروح الوطنية والرد على الضغوط الخارجية، وثانيًا للمجتمع الدولي، مفادها أن استمرار التهديدات سيؤدي إلى تقليص مساحة التعاون والشفافية النووية، وربما العودة إلى مربع التخصيب العالي.

ويرى، أن البرلمان الإيراني، الذي يصطف غالبًا خلف الحرس الثوري في المواقف السيادية، يحاول استباق أي مساعٍ دبلوماسية أمريكية أو أوروبية لإعادة طهران لطاولة المفاوضات بشروط مجحفة.

وأوضح محسن، أن هذا التعليق لن يكون مؤقتًا كما تعتقد بعض العواصم الغربية، بل قد يتحول إلى نهج دائم إذا لم يتم احتواء التصعيد ووقف الاعتداءات على المنشآت الإيرانية، وهو ما قد يعيد المنطقة إلى أجواء ما قبل الاتفاق النووي عام 2015.

ويحذّر خبير الشؤون الإيرانية من أن تعليق التعاون مع الوكالة قد يُفضي إلى عزلة دبلوماسية متزايدة لطهران، ويفتح الباب أمام قرارات دولية أكثر تشددًا، مثل إعادة فرض العقوبات الأممية، كما قد يدفع بعض الدول إلى تبنّي خيار الردع الاستباقي، ما يهدد باندلاع مواجهة إقليمية أوسع.