التصنيف الذهبي.. مصر تتصدر العالم في مكافحة التهاب الكبد C

التصنيف الذهبي.. مصر تتصدر العالم في مكافحة التهاب الكبد C

التصنيف الذهبي.. مصر تتصدر العالم في مكافحة التهاب الكبد C
الصحة

في عالمٍ ما تزال فيه فيروسات الكبد الفتاكة تفتك بالملايين بصمتٍ سنويًّا، برزت مصر كمثال عالمي نادر على ما يمكن للإرادة والنهج الشامل أن يحقّقاه في ميدان الصحة العامة، فعلى مدار سنوات من الجهد المتواصل، تحوّلت مصر من واحدة من أكثر الدول تأثرًا بفيروس الالتهاب الكبدي C إلى أول دولة في العالم تنال "الاعتماد الذهبي" من منظمة الصحة العالمية على طريق القضاء على هذا الفيروس المستعصي، ووسط تحديات مالية وسكانية هائلة، نجحت الدولة في إطلاق أكبر حملة مسح صحي وعلاجي في تاريخها تحت عنوان: "100 مليون صحة"، لتكتب بذلك فصلًا غير مسبوق في معركة البشرية ضد أمراض الكبد المزمنة، وبينما يحل على العالم اليوم العالمي للالتهاب الكبدي في يوليو 2025، يقف النموذج المصري مثالًا حيًّا يُحتذى، ودليلًا على أن الحسم في الصحة العامة يبدأ بخطوات جريئة وخطط طويلة النفس.

*انجازًا ذهبيًا*


على الرغم من التقدم الهائل في الطب، ما يزال الالتهاب الكبدي الفيروسي يُعد أحد أبرز التهديدات الصامتة للصحة العامة، متسببًا في قرابة 97 ألف وفاة سنويًّا في إقليم شرق المتوسط وحده، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية.

وفي هذا السياق القاتم، بزغ إنجاز مصري فريد من نوعه: حصول مصر على "الاعتماد الذهبي" في عام 2023 كأول دولة في العالم تفي بكافة المعايير المطلوبة للقضاء على فيروس التهاب الكبد C، وفقًا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي.

هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرة لسنوات من التخطيط والالتزام السياسي والتقني، تُوّجت بإطلاق مبادرة "100 مليون صحة"، التي باتت نموذجًا عالميًّا في كيفية إدارة أزمة صحية شاملة بمقياس وطني. ففي إطار هذه المبادرة، جرى فحص أكثر من 60 مليون مواطن، أي ما يعادل نحو ثلثي السكان، وتم توفير العلاج المجاني لما يزيد عن 4.3 مليون حالة إيجابية؛ مما ساهم في خفض نسبة الوفيات المرتبطة بالفيروس بنسبة 35% منذ عام 2018.

وتكمن أهمية المبادرة في كونها لم تقتصر على التشخيص والعلاج، بل اعتمدت على مفهوم متكامل للصحة العامة، حيث جرى إدماج فحوصات الفيروس ضمن حملات الكشف عن أمراض أخرى مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، ما عزز فعالية الرعاية الأولية ورفع الوعي المجتمعي في آن واحد.



*نجاحات متتالية*


في تطور موازٍ، تمكنت مصر في ديسمبر 2024 من السيطرة على انتشار فيروس التهاب الكبد B، بعدما انخفض معدل الإصابات بين الأطفال الذين تجاوزوا سن التسع سنوات إلى أقل من 5%، وهي نسبة تُعتبر آمنة وفق المعايير الدولية، مع الحفاظ على نسبة تطعيم تفوق 90%، وهو ما يضيف بُعدًا جديدًا إلى نجاح البرنامج الوطني للوقاية.

ولم يكن النجاح المصري معزولًا عن الحراك الإقليمي..
ففي العام ذاته، أعلنت باكستان عن إطلاق برنامجها الطموح للقضاء على فيروس C، واضعة هدفًا باختبار نصف السكان المستحقين وعلاجهم بحلول 2027، بتمويل محلي، لكن النموذج المصري يبقى الأوسع والأشمل والأكثر نضجًا من حيث البنية التحتية الصحية والدعم السياسي والمجتمعي المتكامل.

*نداء دولي*


من جهتها، شددت الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، على ضرورة البناء على هذا الزخم الإيجابي، داعية الحكومات إلى "مزيد من الالتزام السياسي والاستثمار المستدام" لتوسيع نطاق التدخلات الناجحة، لا سيما في مجالات التطعيم، والاختبارات المبكرة، وربط العلاج بخدمات صحة الأم والطفل.

كما حذّرت بلخي من أن المعركة ضد التهاب الكبد لم تُحسم بعد، مشيرة إلى أن العقبات الاجتماعية والثقافية، مثل وصمة المرض، والتحديات المالية في النظم الصحية، ما زالت تشكّل عوائق حقيقية أمام اجتثاث المرض من جذوره، خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

ومع حلول اليوم العالمي لالتهاب الكبد لعام 2025 تحت شعار "خطوات يسيرة للقضاء على التهاب الكبد"، يتجدد النداء الدولي لإزالة هذه الحواجز وتحقيق التكامل في جهود الصحة العامة، وذلك عبر تسخير التمويل، والتوعية، والتشريعات، والدعم المجتمعي، لتكوين جبهة موحدة ضد المرض.

إن قصة مصر مع فيروس C لا تُروى باعتبارها مجرد إنجاز طبي، بل بوصفها مثالًا ملهمًا على كيف يمكن لبلد مثقل بالتحديات أن يتحوّل إلى مرجع عالمي في مجال مكافحة الأوبئة. ومثل هذه النماذج قد تغيّر مستقبل الصحة العامة عالميًّا، إن تم الاستفادة منها وتكرارها.

*مرجعًا دوليًا*


من جانبه، قال الدكتور محمد حساني، مساعد وزير الصحة والسكان لشؤون المشروعات ومبادرات الصحة العامة،: إن تجربة مصر في القضاء على فيروس "سي" تجاوزت الإطار المحلي لتصبح مرجعًا دوليًا.

وأضاف حساني، ما حققته مصر في ملف القضاء على فيروس التهاب الكبد C يُعد من أعظم الإنجازات الصحية في تاريخ الصحة العامة في العالم النامي، هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا تضافر الجهود بين المؤسسات الصحية، والدعم الرئاسي المباشر، والتخطيط العلمي الدقيق، إلى جانب وعي المواطنين واستجابتهم الواسعة للمبادرة.

وأشار، أن المبادرة الرئاسية "100 مليون صحة" لم تكن مجرد حملة للفحص، بل كانت تحركًا وطنيًا شاملاً أعاد بناء منظومة الكشف المبكر والعلاج المجاني، وغيّر نظرة الناس إلى مفهوم الطب الوقائي، مضيفًا، تعاملت الدولة مع الفيروس باعتباره تهديدًا قوميًا، فأطلقت أكبر عملية مسح صحي جماعي في التاريخ الحديث، بما في ذلك توفير العلاج بالأدوية الجديدة (DAAs) التي أثبتت فاعليتها عالميًا.

وأوضح، أن مصر دعمت 11 دولة إفريقية وآسيوية من خلال توفير خدمات التشخيص والعلاج، وساهمت في بناء قدرات العاملين في الصحة العامة في أكثر من 40 دولة بالتعاون مع المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض ومنظمات دولية، إضافة إلى 20 دولة أخرى بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي. 

وشدد على أن هذا الدور يعكس إيمان مصر بأن الصحة مسؤولية عالمية مشتركة.