غزة على طاولة ترامب.. مقترح سلام جديد يجمع القادة العرب والإسلاميين في نيويورك
غزة على طاولة ترامب.. مقترح سلام جديد يجمع القادة العرب والإسلاميين في نيويورك

في نيويورك، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعود غزة لتتصدر المشهد الدبلوماسي العالمي مع دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سباق محموم لإقناع القادة العرب والإسلاميين بخطة سلام يصفها بأنها "الفرصة الأخيرة" لإنهاء واحدة من أطول الحروب في تاريخ المنطقة.
يأتي هذا الاجتماع متعدد الأطراف في ظل ضغوط متزايدة على البيت الأبيض لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي خلّفت عشرات آلاف القتلى وحولت القطاع إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، بالنسبة لترامب، يشكل اللقاء اختبارًا حقيقيًا لقدرة واشنطن على إعادة صياغة مستقبل غزة، وإيجاد صيغة حكم جديدة من دون حركة حماس، وتأمين انسحاب منظم للقوات الإسرائيلية، لكن التحدي الأكبر يكمن في إقناع العواصم العربية والإسلامية ليس فقط بالمشاركة السياسية، بل بتحمل كلفة الإعمار وإرسال قوات على الأرض، في خطوة قد تعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي.
ملفات على طاولة النقاش
يجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، مع قادة ومسؤولين من ثماني دول عربية وإسلامية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في خطوة توصف بأنها محاولة لوضع تصور شامل لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب الدامية التي اندلعت في أكتوبر 2023.
ومن المقرر أن يشارك في الاجتماع ممثلون عن السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان، وهي دول يرى البيت الأبيض أنها أساسية في أي تسوية إقليمية.
وبحسب ما نقل موقع "أكسيوس" عن مصادر أمريكية وعربية، يعتزم ترامب تقديم مقترح يتضمن مبادئ الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وإقامة إدارة انتقالية بدعم عربي وإسلامي، مع استبعاد حركة حماس من أي ترتيبات مستقبلية للحكم، الخطة تشمل كذلك آلية للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، وتوفير ضمانات أمنية تمنع عودة التصعيد العسكري.
تمويل وقوات عسكرية
المقترح الأميركي يذهب أبعد من مجرد وقف إطلاق النار، إذ يدعو الدول العربية والإسلامية إلى المشاركة بقوات عسكرية لحفظ الأمن في غزة خلال مرحلة ما بعد الحرب، وتوفير تمويل ضخم لإعادة الإعمار.
هذه المطالب تضع العواصم المشاركة أمام معادلة صعبة، فهي تدرك حجم الكارثة الإنسانية والحاجة إلى حل عاجل، لكنها في الوقت نفسه تتحسب من تحمل مسؤولية سياسية وعسكرية قد تجعلها طرفًا مباشرًا في صراع معقد لم تنطفئ نيرانه بعد.
ترامب، الذي وعد -خلال حملته الانتخابية- بإنهاء حرب غزة "خلال أشهر"، يجد نفسه الآن أمام امتحان سياسي ودبلوماسي صعب، إذ أن وقف إطلاق النار السابق الذي رعته واشنطن في بداية ولايته انهار سريعًا بعد شهرين فقط، وعاد القتال ليحصد أرواح أكثر من 400 فلسطيني في يوم واحد منتصف مارس الماضي.
هذا الفشل جعل البيت الأبيض تحت ضغط متزايد من الرأي العام العالمي الذي يتابع صور المجاعة والدمار في القطاع.
رفض إسرائيلي لأي تسوية
في المقابل، ترفض إسرائيل أي حديث عن دولة فلسطينية أو تسوية دائمة تعتبرها مكافأة لحماس، وتواصل عملياتها العسكرية التي وصفتها الأمم المتحدة وجهات حقوقية بأنها قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
وقد زاد المشهد تعقيدًا الهجمات الإسرائيلية على دول عدة في المنطقة، بما في ذلك لبنان وسوريا وحتى قطر، ما جعل الأزمة تأخذ بعدًا إقليميًا خطيرًا.
من المتوقع أن يركز خطاب ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على الدعوة إلى "سلام إقليمي شامل"، لكنه سيواجه تحديًا يتمثل في إقناع الحلفاء العرب بتمويل خطة إعادة الإعمار والانخراط في ترتيبات أمنية معقدة.
وإذا ما نجح ترامب في الحصول على موافقة مبدئية، فقد يشكل ذلك بداية مسار سياسي جديد، لكن فشله قد يكرس القطيعة بين واشنطن والعواصم العربية ويعمّق مأساة غزة.
تحذيرات خبراء القانون الدولي من "التطهير العرقي" وتهجير الفلسطينيين تضيف بعدًا أخلاقيًا إلى النقاش، وفقًا لـ"رويترز"، وتجعل أي خطة أمريكية مطالبة بتوفير ضمانات لحقوق سكان القطاع، لا الاكتفاء بترتيبات أمنية وإعمار اقتصادي.
ويؤكد مراقبون، أن أي تسوية لا تمنح الفلسطينيين حق تقرير المصير قد تكون مجرد هدنة طويلة الأمد تهيئ لجولة جديدة من الصراع.
غياب السيسي
من جانبه، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية، عن الاجتماع: إن غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن لقاء ترامب مع القادة العرب والإسلاميين يشكل مؤشرًا مهمًا على طبيعة الموقف المصري في المرحلة الراهنة.
ويشير فهمي، أن مصر، التي تعتبر نفسها اللاعب المركزي في الملف الفلسطيني، ربما فضّلت البقاء على مسافة من أي التزامات جديدة قد تُفرض في الاجتماع، خصوصًا ما يتعلق بإرسال قوات إلى غزة أو المشاركة في إدارة مدنية انتقالية، مضيفًا، أن القاهرة تدرك حساسية موقفها الداخلي والإقليمي، وأن أي خطوة غير محسوبة قد تضعها في مواجهة مع الشارع المصري أو مع الفصائل الفلسطينية.
ويضيف فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن غياب السيسي قد يضعف الموقف العربي الموحد، إذ لطالما لعبت مصر دور الوسيط الرئيس في كل اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة، كما يعتبر أن واشنطن قد تستخدم هذا الاجتماع لاختبار استعداد الدول الخليجية وتركيا لتحمل العبء الأكبر في المرحلة المقبلة، ما قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى التقليدية في الملف الفلسطيني.
ويؤكد فهمي، أن نجاح الخطة الأمريكية مرهون بقدرتها على الحصول على ضمانات أمنية مقبولة من جميع الأطراف، وضمان أن تكون أي ترتيبات مستقبلية متوازنة وتحظى بشرعية شعبية فلسطينية، وإلا فإن الخطة قد تتحول إلى عامل جديد لتأجيج الصراع بدلاً من حله.