من البيان الوزاري إلى معركة بعبدا.. سلاح حزب الله في قلب التجاذب اللبناني

من البيان الوزاري إلى معركة بعبدا.. سلاح حزب الله في قلب التجاذب اللبناني

من البيان الوزاري إلى معركة بعبدا.. سلاح حزب الله في قلب التجاذب اللبناني
حزب الله

في مشهد سياسي استثنائي، اجتمع مجلس الوزراء اللبناني في القصر الجمهوري ببعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون، لمناقشة واحد من أكثر الملفات حساسية في تاريخ لبنان الحديث، مسألة "حصرية السلاح" بيد الدولة، الجلسة، التي تزامنت مع اهتمام عربي ودولي واسع، اعتُبرت اختبارًا جديًا لمدى قدرة الحكومة برئاسة نواف سلام على تنفيذ التزاماتها التي وردت في البيان الوزاري، خصوصًا ما يتعلق باستعادة سيادة الدولة على كامل أراضيها وضبط السلاح خارج المؤسسات الشرعية، وبينما يعوّل المجتمع الدولي على هذه الخطوة لإعادة الثقة بلبنان ووضع حد للانتقادات بشأن ضعف مؤسساته، يبرز موقف "حزب الله" الرافض للبحث في نزع سلاحه قبل ضمان تحقيق مطالبه الثلاثية، انسحاب إسرائيل، إطلاق سراح الأسرى، ووقف الأعمال العدائية، وبين مؤيد يرى في الجلسة فرصة تاريخية لوضع لبنان على سكة الدولة القوية، ومعارض يعتبرها استهدافًا لمعادلة المقاومة، يقف لبنان أمام لحظة سياسية قد تحدد مسار العلاقة بين الدولة والمجتمع الدولي، وبين الحكومة و"حزب الله".

جدول أعمال مثقل بالرهانات

ضم جدول الأعمال عشرة بنود، لكن البند الأكثر جدلاً بقي بند "بسط السيادة اللبنانية بقواها الذاتية حصرًا"، هذا البند، الذي يستند إلى خطاب القسم للرئيس جوزيف عون وإلى البيان الوزاري لحكومة نواف سلام، ينسجم مع مطالب عربية ودولية متكررة منذ سنوات بضرورة حصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية، وعلى رأسها الجيش اللبناني. 

كما يتقاطع مع الحاجة الملحة لترتيب الوضع الأمني في الجنوب اللبناني، خصوصًا مع الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية التي يُفترض أن تدخل حيز التنفيذ في نوفمبر 2024.

حزب الله يرفع السقف

استبق "حزب الله" الجلسة عبر تصريحات النائب علي فياض، الذي شدد على أن أي نقاش حول سلاح المقاومة يجب أن يُسبق بتحقيق ثلاثية الانسحاب الإسرائيلي، إطلاق الأسرى، ووقف الأعمال العدائية.

بهذه المقاربة، بدا الحزب كمن يسعى لتفريغ الجلسة من مضمونها، عبر ربطها بشروط يصعب تحقيقها سريعًا، هذا الموقف أثار مخاوف من أن تتحول الجلسة إلى ساحة تجاذب سياسي طويل، الهدف منه كسب الوقت ومنع إقرار صيغة ملزمة لحصرية السلاح.

أصوات المعارضة: لحظة تاريخية

على الناحية الأخرى، وصف رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل الجلسة بأنها "تاريخية بكل المقاييس"، مشددًا على أن اللحظة الراهنة لا تحتمل المساومة أو التردد.

 الجميل دعا الحكومة إلى اتخاذ قرار جريء يعيد للدولة هيبتها ويضع حدًا لكل أشكال الازدواجية في السلطة، موضحًا أن فرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية هو السبيل الوحيد لبناء وطن حقيقي، قادر على حماية جميع أبنائه من دون استثناء، وبعيد عن الحسابات الطائفية أو الضغوط الإقليمية التي كبّلت لبنان لعقود.

وأكد، أن قرارًا بهذا الحجم ليس استجابة لإملاءات خارجية، بل استحقاق وطني يفتح الباب أمام استعادة الثقة بين الدولة ومواطنيها، ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار.

وأظهرت أحزاب "القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي" و"الكتائب"، انسجامًا سياسيًا نادرًا من خلال موقف موحد يطالب الحكومة بعدم التراجع تحت أي ظرف.

 هذه القوى اعتبرت أن لحظة الإجماع الدولي على حصرية السلاح قد لا تتكرر في المستقبل، وأن أي تردد أو مساومة سيُفقد لبنان فرصة ثمينة لإعادة ترميم علاقاته مع المجتمع الدولي والعربي، خصوصًا بعد سنوات من العزلة والتوتر.

وذهبت هذه الأحزاب إلى حد وصف المرحلة بأنها "نقطة انعطاف تاريخية"، حيث يُمكن للبنان أن يستعيد زمام المبادرة في الداخل، ويقدم نفسه كشريك موثوق على الساحة الإقليمية والدولية، شرط أن يتحلى مجلس الوزراء بالشجاعة الكاملة في اتخاذ القرار.

بري.. لاعب التوازن


يبقى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري محوريًا في هذه المعادلة، فبينما لا يمانع تسجيل تحفظات شكلية حمايةً لعلاقته مع "حزب الله"، تشير المعطيات إلى أنه لا يرغب بإدخال البلاد في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي.

لذلك، تُبنى آمال على وساطته لإيجاد مخرج يحفظ ماء وجه الحزب، من دون تعطيل كامل لمسار الحكومة. مشاورات اللحظة الأخيرة بين الرؤساء الثلاثة (عون، سلام، وبري) تعكس إدراك الجميع لحساسية الموقف، ومحاولة تفادي انفجار سياسي قد يفاقم عزلة "حزب الله" في الداخل والخارج.

عبئًا وطنيًا


في المقابل، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اللبناني فادي عاكوم أن تمسك "حزب الله" بسلاحه لم يعد مجرد خيار داخلي مرتبط بموازين القوى اللبنانية، بل أصبح عبئًا وطنيًا يهدد مكانة لبنان وعلاقاته الخارجية.

وأوضح في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الحزب يواصل التعامل مع مسألة السلاح كخط أحمر غير قابل للنقاش، متجاهلاً التحولات الكبرى التي يشهدها المشهدين الإقليمي والدولي، والتي تفرض على لبنان الانخراط في مشروع الدولة القوية.

عاكوم أشار إلى أن الإصرار على إبقاء القرار العسكري خارج مؤسسات الدولة يضع لبنان في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي، ويجعل أي محاولة لإعادة بناء الثقة والاستقرار الداخلي رهينة حسابات إقليمية لا تصب بالضرورة في مصلحة اللبنانيين.

 

 وختم بالقول: إن اللحظة الراهنة تمثل فرصة تاريخية للبنان كي يتخلص من ازدواجية السلاح، لكن استمرار "حزب الله" في فرض شروطه قد ينسف هذه الفرصة ويعمّق عزلة البلاد أكثر.