كيف حاول الحوثيون ضرب قلب عدن الأمني بـ خلية الاغتيالات
كيف حاول الحوثيون ضرب قلب عدن الأمني بـ خلية الاغتيالات
بهدوء يشبه ما قبل العاصفة، أعلنت شرطة عدن، الاثنين، إحباط واحدة من أخطر العمليات التي كانت تستهدف استقرار المدينة خلال الأشهر الأخيرة، فبينما تبدو عدن متنفسًا نسبيًا في مشهد الحرب اليمنية المشتعل، كشفت الأجهزة الأمنية عن تفكيك خلية مرتبطة بجماعة الحوثي كانت تستعد لتنفيذ سلسلة اغتيالات ضد قيادات عسكرية وأمنية بارزة، في محاولة لإعادة خلط الأوراق داخل المدينة التي تمثل مركز الثقل السياسي للحكومة الشرعي.
وتشير المعلومات الأولية، إلى أن الشبكة التي جرى ضبطها لم تكن مجرد مجموعة أفراد جرى تجنيدهم حديثًا، بل جزءًا من مخطط أكثر تعقيدًا يمتد عبر محافظات عدة، ويتضمن تدريبًا متخصصًا وعمليات تمويه داخل عدن نفسها، وبينما يواصل التحقيق كشف خيوط العملية، تتصاعد الأسئلة حول حجم الاختراق الذي تمكن الحوثيون من تحقيقه، ومدى جاهزيتهم لفتح جبهة أمنية جديدة داخل المدينة التي تعيش أصلاً على إيقاع تهديدات إرهابية وصراعات مسلحة متفرقة.
هذا التطور يفتح الباب أمام قراءة أعمق لمخاطر المرحلة المقبلة، ويعيد تسليط الضوء على الحرب غير المرئية التي تخوضها عدن يوميًا ضد محاولات زعزعة الأمن.
خلية مدربة ومهام اغتيال محددة
بحسب بيان شرطة عدن، فإن قوات مديرية دار سعد تمكنت من إلقاء القبض على مجموعة من المشتبه بهم، وُصِفوا بأنهم عناصر مدرّبة خضعت لتجنيد مكثف في مناطق تحت سيطرة الحوثيين، وتشير التحقيقات الأولية إلى وجود ارتباط مباشر بـ أمجد خالد فرحان، الذي تتهمه الأجهزة الأمنية في عدن بإدارة شبكات تمويل وتحريك خلايا داخل المحافظات المحررة.
وبرغم أن عدن شهدت -خلال السنوات الماضية- محاولات اغتيال متعددة استهدفت مسؤولين حكوميين، إلا أن المخطط الجديد يُعدّ الأخطر من حيث حجم التدريب الذي تلقته الخلية، ونوعية الأسلحة والمهارات التي تم تجهيز أفرادها بها، فقد أدلى الموقوفون باعترافات تفصيلية حول تدريبات قتالية مكثفة خضعوا لها في معسكرات سرية بمنطقة الحوبان شرقي تعز، حيث تلقوا تعليمات على استخدام أسلحة آلية، وقذائف آر.بي.جي، وتصنيع عبوات ناسفة، بالإضافة إلى تدريبات على الطائرات المسيّرة التي باتت تشكل تهديدًا متزايدًا في الحرب اليمنية.
ولم يقتصر تدريب الخلية على الجانب العسكري فقط؛ إذ تتحدث شرطة عدن عن برنامج تعبئة فكرية متطرفة تلقاها الموقوفون في صعدة وصنعاء وذمار. الهدف من هذا البرنامج – كما تشير التقارير الأمنية – كان خلق ولاء عقائدي ثابت يسمح للخلية بالعمل بسرية تامة دون الاهتزاز أمام الضغوط أو الفشل.
وتكشف تلك المعطيات مدى اعتماد الحوثيين على تجنيد شبكات عقائدية تتلقى تدريبات أمنية وفكرية متزامنة، ما يُعدّ سمة واضحة في استراتيجية الجماعة التوسعية داخل المحافظات.
رصد دقيق لتحركات القيادات
وبحسب شرطة عدن، فإن الجزء الأساسي من مهمة الخلية كان يتمثل في رصد تحركات قيادات عسكرية وأمنية بارزة، بعضها يشغل مناصب حساسة في أجهزة مكافحة الإرهاب.
وأشارت السلطات، إلى أن بعض عناصر الخلية نجحوا بالفعل في العودة إلى عدن تحت غطاء التسليم الطوعي، حتى يصبح وجودهم قانونيًا داخل المدينة ويكتسبون غطاء يسهل تحركاتهم لاحقًا دون إثارة الشبهات.
هذا الأسلوب – الذي يجمع بين التمويه القانوني والاختراق الميداني – يعكس تطورًا ملحوظًا في تكتيكات الحوثيين، الذين باتوا يركزون على زعزعة الأمن داخل المناطق المحررة بدلاً من الاكتفاء بجبهات القتال التقليدية.
المعلومات المتوافرة حتى الآن تشير إلى أن أمجد خالد فرحان كان يقدم دعمًا ماليًا ولوجستيًا مستمرًا للخلية، يتضمن رواتب شهرية، ونفقات تنقّل، وإقامة آمنة.
ويؤكد ضباط في عدن أن فرحان يدير شبكة واسعة يمتد نشاطها بين اليمن وخارجه، وأنه يستخدم علاقاته للربط بين المنظومة الحوثية والخلايا النائمة داخل المحافظات المحررة.
المخطط الحوثي لاغتيالات عدن
كشف مصدر أمني رفيع مطّلع على تفاصيل التحقيق لـ"العرب مباشر"، أن المخطط الذي تم إحباطه لم يكن مجرد تحرك عابر، بل جزء من "عملية شاملة" أعدّتها أجهزة استخبارات تابعة للحوثيين منذ أكثر من ستة أشهر، وبحسب المصدر، فإن العملية تضمنت ثلاث مراحل أساسية: التجنيد، التمويه، والتنفيذ.
في المرحلة الأولى، ركز الحوثيون على اختيار عناصر شابة من مناطق ريفية تمتلك خبرة في استخدام السلاح ويصعب تتبعها، وتم نقلهم بسرية إلى معسكرات في الحوبان وصعدة، حيث خضعوا لدورات مكثفة في التخفي الحضري، وتغيير المظهر، والعمل ضمن خلايا صغيرة غير مترابطة، بحيث لا يعرف كل عنصر كامل تفاصيل المهمة.
أما المرحلة الثانية، فكانت الأكثر حساسية، يوضح المصدر أن بعض العناصر أُعيد إرسالهم إلى عدن تحت غطاء "المضللين الراغبين بالعودة للشرعية"، وهو تكتيك مُعدّ مسبقًا بهدف تجاوز نقاط التفتيش وكسب ثقة الأجهزة الأمنية، تم تجهيز هؤلاء بجوازات عبور محلية مزورة، وأموال نقدية لتغطية حياتهم اليومية دون إثارة الشبهات.
وفي المرحلة الثالثة، كان المخطط يقضي بتنفيذ ثلاث عمليات اغتيال متزامنة تستهدف ضباطًا في مكافحة الإرهاب، وقائدًا أمنيًا في لحج، وشخصية سياسية بارزة في عدن. وكان الهدف – وفق المصدر – خلق صدمة أمنية تعيد خلط المشهد وتدفع باتجاه عرقلة ترتيبات الحكومة المعترف بها دوليًا.
ويضيف المصدر: أن التحقيقات كشفت وجود قناة اتصال مشفرة بين الخلية ومشرف في صنعاء يتلقى تقارير يومية من داخل عدن، ما يؤكد أن العملية كانت تدار على مستوى عالٍ داخل الجماعة الحوثية.
كما أشار إلى أن الأدلة المضبوطة — بينها خرائط، وأجهزة اتصالات، وقوائم أسماء — توضح أن الخلية لم تكن نهاية المخطط، بل واحدة من عدة شبكات تم زرعها استعدادًا لمرحلة تصعيد قادمة.

العرب مباشر
الكلمات