من بيروت إلى تل أبيب.. ملف سلاح الحزب يتحول إلى ورقة إقليمية خطيرة

من بيروت إلى تل أبيب.. ملف سلاح الحزب يتحول إلى ورقة إقليمية خطيرة

من بيروت إلى تل أبيب.. ملف سلاح الحزب يتحول إلى ورقة إقليمية خطيرة
حزب الله

يقف لبنان اليوم على حافة اختبار مصيري يضع حكومته الوليدة أمام واحدة من أعقد القضايا وأكثرها حساسية، ملف سلاح حزب الله. فهذا السلاح، الذي يراه الحزب "هويةً وكرامةً ودرعًا للبلاد"، بات في المقابل عبئًا سياسيًا وأمنيًا يهدد قدرة الدولة على فرض سيادتها الكاملة، ومع تصاعد السجال حول دور القوات الدولية في الجنوب، ودخول واشنطن وتل أبيب على خط الأزمة بخطابات متناقضة ومقترحات مثيرة للجدل، يجد لبنان نفسه في قلب عاصفة إقليمية تتقاطع فيها الحسابات الدولية مع الانقسامات الداخلية.

 ورغم محاولات الرئيس جوزيف عون وحكومته تقديم صورة عن بلد قادر على تجاوز الانقسامات، فإن الوقائع تكشف أن معادلة "السلاح والاحتلال" ما زالت حاكمة لمستقبل الجنوب، وأن أي نقاش عن نزع سلاح الحزب لا ينفصل عن اشتباك أوسع بين إيران وإسرائيل، وبين واشنطن وحلفائها، هنا، يبدو لبنان أمام معركة طويلة، قد تحدد ليس فقط توازناته الداخلية، بل موقعه في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.

سلاح الحزب.. العقدة الأصعب


لم يكن تصريح الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، مجرد موقف سياسي عابر، حين قال: إن "سلاح الحزب هو روحه وشرفه"، كان يعيد تثبيت معادلة مفادها أن هذا الملف لا يمكن فصله عن جوهر وجود الحزب نفسه.

رفضُ الحزب لأي نقاش يضع سلاحه تحت سلطة الدولة يكشف أن الأمر بالنسبة إليه ليس قضية تسليح تقليدية، بل مسألة بقاء وهوية، لكن هذا الموقف يزيد من حدة الانقسام الداخلي، ويضع الحكومة أمام تحدٍ مزدوج، كيف تثبت قدرتها على فرض هيبة الدولة، من دون الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مع طرف يمثل قوة عسكرية وسياسية طاغية في البلاد.

عون ورسالة الدولة

في المقابل، حاول الرئيس جوزيف عون رسم صورة مغايرة، مستندًا إلى خطاب وحدوي يرفض الطائفية والمذهبية، داعيًا إلى "حزب واحد هو لبنان"، أراد عون أن يبعث برسائل طمأنة للداخل والخارج معًا، مؤكدًا أن الحكومة الحالية قادرة على إدارة الحوار واتخاذ قرارات غير مسبوقة.

لكن محاولاته، رغم رمزيتها، تصطدم بواقع شديد التعقيد، دولة ضعيفة، اقتصاد منهك، وانقسام داخلي يهدد كل مسعى للإصلاح، الرسالة الأهم التي أراد إيصالها، ربما، هي أن لبنان ما تزال بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي ليتجاوز محنته.

وسط هذه التوترات، يطل ملف قوات اليونيفيل كعامل إضافي يزيد المشهد تشابكًا، كان من المقرر أن يصوّت مجلس الأمن على مشروع قرار فرنسي يقضي بتمديد مهمة القوات لعام إضافي، مع طرح خطة انسحاب تدريجي لأكثر من 8 آلاف جندي دولي.

 الفكرة تقوم على أن تتحمل الحكومة اللبنانية وحدها مسؤولية الأمن جنوب الليطاني، لكن المسودة اصطدمت بمعارضة أميركية وإسرائيلية، ما عكس إدراك هاتين الدولتين أن انسحاب اليونيفيل في ظل بقاء سلاح الحزب سيعني عمليًا سيطرة كاملة لحزب الله على الجنوب. وهذا بدوره يثير تساؤلات حول جدوى هذه القوة، التي لطالما شكك كثيرون في فعاليتها.

عروض مشروطة وتوقيت حساس


في تطور لافت، لم يكتفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتصعيد العسكري المعتاد، بل أعلن استعداد بلاده لدعم الحكومة اللبنانية في مسعى نزع سلاح حزب الله، شرط اتخاذ الجيش اللبناني خطوات ملموسة على الأرض.

هذا العرض المشروط بدا للبعض محاولة لتوريط الدولة اللبنانية في صدام مباشر مع الحزب، بينما اعتبره آخرون جزءًا من لعبة سياسية تهدف إلى إظهار إسرائيل كطرف "داعم" للاستقرار، على عكس ما يراه اللبنانيون من خروقات وضربات مستمرة.

المحلل الإسرائيلي مفيد مرعي أشار أن خطاب نتنياهو يضع الحكومة اللبنانية والوساطة الأميركية في موقف حرج، لافتًا إلى أن اتفاقيات سابقة نصّت على انسحاب الجيش الإسرائيلي من خمس نقاط جنوبية بمجرد سيطرة الجيش اللبناني عليها، وهو ما لم يحدث بسبب استمرار سلاح الحزب، وهنا يبرز التناقض الإسرائيلي، فمن جهة تقول تل أبيب إنها لا تسعى للبقاء في الجنوب، لكنها من جهة أخرى تربط انسحابها بزوال التهديد الذي يمثله الحزب.

هذه الجدلية – بين بقاء الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب واستمرار سلاح الحزب – تبدو كأنها معادلة مغلقة لا حلول سهلة لها. بالنسبة لإسرائيل، سلاح الحزب هو ذريعة للبقاء ومبرر للضربات المتكررة. 

وبالنسبة للحزب، هذا السلاح هو الضمانة الوحيدة لردع إسرائيل ومنعها من فرض شروطها. في ظل هذه المعادلة، تبقى الحكومة اللبنانية أسيرة طرفين يملكان القوة الفعلية على الأرض، فيما تقتصر أدوارها على المناورة السياسية ومحاولة كسب دعم المجتمع الدولي.

الولايات المتحدة.. ضغط بلا نفوذ حاسم

من جانبها، تواصل واشنطن الضغط عبر مبعوثيها، لكنها حتى الآن لم تُظهر امتلاك أدوات قادرة على تغيير موازين القوى. زيارة المبعوث توم براك ولقاءاته في بيروت لم تحقق اختراقًا واضحًا، فيما اقتصرت مهمة مورغان أورتاغوس على إعادة تدوير رسائل أميركية قديمة. 

يبدو أن واشنطن تسعى إلى احتواء الموقف أكثر من دفعه نحو حل جذري، مدركة أن الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله قد يشعل انفجارًا إقليميًا لا تريده إدارة ترامب في هذه المرحلة.

من جانبه، يقول المحلل السياسي اللبناني، فادي عاكوم: إن قضية سلاح حزب الله لم تعد مجرد ملف داخلي يمكن التعامل معه عبر المساومات السياسية المعتادة، بل تحولت إلى ورقة تفاوض إقليمية ترتبط مباشرة بصراع النفوذ بين إيران والولايات المتحدة من جهة، وإسرائيل ولبنان من جهة أخرى. 

ويشير عاكوم في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الحكومة اللبنانية تجد نفسها في موقع بالغ الصعوبة، فهي مطالبة بإثبات قدرتها على فرض سيادتها، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع الدخول في مواجهة مباشرة مع الحزب الذي يمتلك نفوذًا سياسيًا وشعبيًا واسعًا، فضلاً عن ترسانة عسكرية متقدمة.

ويعتبر عاكوم، أن العروض الإسرائيلية بدعم الحكومة لنزع السلاح ليست سوى محاولة لتوريط الدولة اللبنانية في صدام داخلي، وهو ما قد يفتح الباب على أزمة أهلية جديدة لا يحتملها لبنان.

 أما الموقف الأميركي، برأيه، فيتسم بالغموض، إذ تكتفي واشنطن بالضغط الدبلوماسي دون توفير بدائل عملية لتجنيب لبنان الانفجار. 

ويخلص عاكوم، أن أي حل واقعي يجب أن يمر عبر تسوية شاملة تضمن بقاء الدولة كمرجعية وحيدة، مقابل إدماج الحزب تدريجيًا في المؤسسات الرسمية. 

غير أن الوصول إلى مثل هذه التسوية، في ظل الاستقطاب الإقليمي والدولي الراهن، يبدو بعيد المنال في المدى المنظور.