بين التهدئة والولاء.. اتفاق السويداء يعيد رسم خطوط العلاقة مع دمشق

بين التهدئة والولاء.. اتفاق السويداء يعيد رسم خطوط العلاقة مع دمشق

بين التهدئة والولاء.. اتفاق السويداء يعيد رسم خطوط العلاقة مع دمشق
أحمد الشرع

في لحظة فارقة من تاريخ الجنوب السوري، خرجت محافظة السويداء من صمتها السياسي والعسكري لتعلن عن اتفاق خماسي البنود، يشكّل نقطة تحوّل في علاقة الطائفة الدرزية مع دمشق، فالمدينة التي ظلت طويلاً في منطقة رمادية، بين الرفض العلني والانضباط الضمني، دخلت في مسار جديد يوازن بين مطلب الاستقرار الداخلي وتأكيد وحدة البلاد.

البيان الصادر عن مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، بعد اجتماع ضم كبار المشايخ والفصائل المحلية وممثلين عن السلطة، لم يكن مجرّد إعلان صلح، بل خطوة مدروسة لإعادة ترتيب البيت الدرزي من الداخل، ونزع فتيل التوترات التي خيمت على المشهد خلال الأشهر الماضية، ومع دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، تترقب العيون – في دمشق وخارجها – ما إذا كانت هذه التسوية بداية لعهد جديد من التفاهم، أم مجرّد هدنة مؤقتة أملتها ظروف اللحظة.  

عودة منطق الدولة إلى الجنوب


في تحول لافت، وقّعت الأطراف الفاعلة في محافظة السويداء، جنوب سوريا، اتفاقًا خماسي البنود يهدف إلى إنهاء الفوضى الأمنية واستعادة سلطة الدولة عبر حلول محلية الطابع.

جاء هذا التوافق بعد اجتماع موسّع ضم شيوخ العقل الثلاثة: حكمت الهجري، يوسف جربوع، وحمود الحناوي، إلى جانب أعيان المحافظة وممثلين عن الفصائل المسلحة، في مشهد قلّما جمع هذا التنوع من القوى المتباينة تحت سقف واحد.  

بنود الاتفاق: من الأمن إلى السيادة


نص الاتفاق على تفعيل قوى الأمن الداخلي والضابطة العدلية من أبناء المحافظة حصرًا، في محاولة لدمج الخصوصية المحلية في مؤسسات الدولة الرسمية، وهو مطلب طالما نادى به وجهاء السويداء.

كذلك نص الاتفاق على رفع الحصار عن المناطق المحيطة مثل: جرمانا وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة الطبيعية إليها، في مؤشر إلى أن التنسيق مع دمشق لا يأتي من موقع الخضوع، بل التفاهم المشترك.

أبرز البنود ربما كان التأكيد على تأمين الطريق الواصل بين دمشق والسويداء، شريان التواصل الذي ظلّ لفترات طويلة عرضة للاضطراب والقطيعة، ما جعل استقراره رمزاً لعودة الحد الأدنى من الدولة إلى المحافظة.

 كما تم تثبيت وقف إطلاق النار، ومنع أي طرف من تجاوز هذه البنود منفردًا، ما يعكس جدية الأطراف في الحفاظ على التوازن.  

رسائل دمشق ورسائل الطائفة


محافظ السويداء، مصطفى البكور، كان واضحًا في حديثه عن أبعاد الاتفاق، إذ وصفه بأنه "مبادرة من أبناء السويداء"، واعتبره تأكيدًا على أن المحافظة "جزء لا يتجزأ من سوريا"، ورفضًا قاطعًا لأي شائعات حول الانفصال أو الحكم الذاتي.  

وفي المقابل، أبدت مشيخة العقل التزامًا كاملًا بمخرجات الاجتماع، لكنها أصرّت على أن تكون خطوات التنفيذ مقرونة بثقة حقيقية بين الطرفين، ما يعني أن روح الاتفاق لا تقتصر على البنود، بل تشمل أيضًا مستوى التطبيق وضماناته.

الهواجس المحلية: بين الثقة والخذلان


رغم التقدم الظاهري، ما تزال هناك هواجس تسكن الشارع الدرزي، فالتجارب السابقة مع الدولة السورية خلّفت شعورًا بالخذلان لدى شريحة واسعة من الأهالي، الذين رأوا في الإهمال الأمني والاقتصادي نوعًا من العقاب السياسي غير المعلن.

لكن الاتفاق الأخير، وفق مراقبين محليين، يفتح الباب أمام اختبار جديد حول قدرة السلطة على إثبات حسن النية عبر احترام خصوصية السويداء، ودمج أبنائها في مؤسسات الدولة دون وصاية، وتمكن الفصائل من ضبط سلوكها ضمن أطر الدولة بدلًا من التحرك ككيانات موازية

رسائل للخارج 


البيان الصادر عن شيوخ العقل لم يكن موجّهًا فقط لدمشق، بل أيضًا إلى القوى الخارجية التي حاولت في فترات سابقة استمالة الموقف الدرزي لصالح مشاريع الانفصال أو الفيدرالية.

فقد جاء نص البيان حاسمًا برفض أي تقسيم أو انسلاخ عن الدولة، في لحظة تتكاثر فيها الطروحات التي تُعيد رسم الخارطة السورية وفق هويات فرعية.  

هذا الوضوح في الموقف يحمل رسالة مزدوجة درزية الداخل لا تتبنى خيارات الخارج، لكنها تريد شراكة ندّية مع الدولة السورية تضمن كرامتها وخصوصيتها.