الضربات الأمريكية لم تُنهِ الطموح.. إيران تقترب أكثر من القنبلة النووية
الضربات الأمريكية لم تُنهِ الطموح.. إيران تقترب أكثر من القنبلة النووية

بعد مرور أسابيع فقط على الحرب الخاطفة بين إيران وإسرائيل، يتجدد الجدل حول مدى اقتراب طهران من حيازة السلاح النووي، ورغم ما تصفه واشنطن وتل أبيب بـ"النجاح العسكري الكبير" في استهداف المنشآت النووية الإيرانية، تؤكد تقارير استخباراتية وتحليلات غربية أن البرنامج النووي الإيراني لم يُشلّ، بل قد يكون أقرب من أي وقت مضى لتحقيق هدفه النهائي.
مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تطرح رواية مضادة، تشير فيها إلى أن إيران، إذا ما قررت المضي قدمًا، قد تنتج قنبلتها الأولى خلال عام واحد فقط، مستفيدة من مخزون يورانيوم نجا من القصف ومن شبكة منشآت بديلة تحت الأرض، هذه القراءة تثير تساؤلات حادة: هل بالغت واشنطن في إعلان نصرها، وهل استوعبت طهران الدرس، أم أنها تعمل بصمت على استكمال مشروعها؟
رواية مختلفة
تبدو طهران اليوم على مفترق طرق إذ تقترب أكثر من أي وقت مضى من العتبة النووية، رغم الضربات الإسرائيلية والأمريكية المكثفة التي استهدفت منشآتها في يونيو الماضي.
ورغم التصريحات المتفائلة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تحدث فيها عن "إسقاط المشروع النووي الإيراني"، تكشف مجلة "فورين بوليسي" عن رواية مختلفة تقول "إن طهران ما تزال تحتفظ بالقدرات الأساسية لتخصيب اليورانيوم وتحويله إلى سلاح نووي".
وبحسب المجلة، فإن إيران لا تحتاج إلى إعادة بناء كامل لبنيتها التحتية النووية التي تعرضت للهجوم، بل يمكنها استخدام منشآت مصغّرة، وربما مخفية، لمواصلة مسارها.
وبوجود حوالي 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60%، يكفي تشغيل عدد محدود من أجهزة الطرد المركزي لإنتاج ما يكفي لصنع سلاح واحد خلال أسابيع قليلة.
يورانيوم تحت الأنقاض
المخزون النووي الإيراني، حسب ذات التقرير، كان مخبأ في أنفاق عميقة تحت منشأة أصفهان، وهي من العمق بحيث لم تتمكن القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات من تدميرها.
ويفترض أن طهران اتخذت إجراءات استباقية لحماية تلك المخابئ، عبر سدّ مداخلها قبل الضربات، وبعيدًا عن السردية الأمريكية التي تحدثت عن دفن اليورانيوم تحت الأنقاض، كشفت المجلة أن إيران أعادت فتح بعض الأنفاق، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن المواد ما تزال سليمة ومُتاحة للاستخدام.
اللافت في تقرير "فورين بوليسي"، أنه يتحدى السردية الإسرائيلية والأمريكية، مستندًا إلى مزيج من المعلومات الاستخباراتية والتقديرات الفنية.
ووفقًا للتحليل، فإن إيران تمتلك بالفعل، أو على وشك أن تمتلك، منشأة سرية صغيرة لتخصيب اليورانيوم بدرجات أعلى، وقد لا تكون هذه المنشأة معروفة حتى لأجهزة الاستخبارات الغربية.
وفي حال عدم وجودها فعلًا، فإن بناء واحدة جديدة لن يستغرق أكثر من بضعة أشهر، نظرًا لتوفر أجهزة الطرد المركزي ومكوناتها منذ أن توقفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن مراقبتها عام 2021.
خطوات طهران نحو السلاح النووي
الخطوة التالية نحو السلاح النووي لا تقتصر على التخصيب فقط، بل تتطلب تحويل اليورانيوم إلى معدن، وهي العملية التي كانت تُعتبر خط الدفاع الأخير أمام حصول طهران على قنبلة.
لكن التقرير يشير أن إيران أتقنت هذه التقنية، وقد أجرت تجارب مكثفة لإنتاج معدن اليورانيوم النقي. رغم تدمير منشآت التحويل في أصفهان، يبدو أن طهران تحتفظ بقدرة كامنة لإعادة بناء منشأة بديلة بسرعة.
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أعلن أن تدمير منشآت التحويل "قضى" على المشروع النووي الإيراني، لكن "فورين بوليسي" تعتبر هذا التصريح مضللًا، مشيرة أن المعدات اللازمة لصنع المعدن مثل: الأفران ومواد كيميائية كالكالسيوم والمغنيسيوم متوفرة في السوق العالمي، ويمكن استيرادها بسهولة عبر وسطاء.
وفيما تركز الضربات الجوية على البنية الصناعية النووية المعروفة، يطرح التقرير فرضية مقلقة مفادها أن جزءًا من برنامج إيران النووي قد أصبح لامركزيًا، ويعمل ضمن منشآت صغيرة متناثرة، بعيدة عن أعين الأقمار الصناعية وصواريخ كروز.
قنبلة خلال عام
من الناحية الزمنية، يُقدّر أن إيران تستطيع إنتاج أول قنبلة نووية خلال عام، إذا قررت ذلك بشكل حاسم، هذا التقدير يتناقض مع تصريحات ترامب ومسؤولين إسرائيليين رجّحوا أن المشروع قد "انهار تمامًا".
لكن المعطيات التقنية والتكتيكية تطرح احتمالًا آخر: المشروع لم يمت، بل تغيّر شكله وتكتيكاته، وبات يعمل في الظل، ويرى مراقبون وفقًا لـ"فورين بوليسي"، أن هذا التقييم يفتح الباب أمام تحولات استراتيجية خطيرة في المنطقة، لا سيما إذا ما قررت طهران اختبار حدود الردع الأمريكي والإسرائيلي من خلال تسريع خطاها نحو القنبلة.