تحرك ميداني مصري داخل غزة.. مهام إنسانية أم دور سياسي؟
تحرك ميداني مصري داخل غزة.. مهام إنسانية أم دور سياسي؟
في خطوة نادرة تحمل أبعادًا إنسانية وسياسية معقّدة، دخل فريق مصري متخصص إلى قطاع غزة بتفويض إسرائيلي مباشر، للمساعدة في تحديد أماكن جثث رهائن إسرائيليين يُعتقد أنهم قضوا خلال الحرب الأخيرة، القرار الذي وافق عليه بنيامين نتنياهو شخصيًا، فتح الباب أمام تعاون ميداني محدود بين تل أبيب والقاهرة، في لحظة تتقاطع فيها الاعتبارات الأمنية والإنسانية والسياسية على أرضٍ محروقة.
القافلة التي عبرت ليل السبت إلى خان يونس، ضمّت آليات ثقيلة وأطقم فنية، وسط مراقبة دقيقة من الجيش الإسرائيلي، وبالتنسيق مع وسطاء دوليين، وبينما يتحدث الإسرائيليون عن "مهمة فنية بحتة"، يرى مراقبون أن الخطوة تحمل أكثر من مجرد بعد إنساني، إذ تندرج ضمن مسار دبلوماسي جديد لإعادة ترتيب الملفات الميدانية في غزة بعد الهدنة الهشة، في ظل سباق صامت بين القاهرة وأنقرة على دور الوسيط الأكثر تأثيرًا في مرحلة ما بعد الحرب.
فريق مصري على أرض غزة
تسللت الأضواء القادمة من شاحنات مصرية إلى ظلمة ليل غزة، حين بدأت قافلة من المركبات والآليات الثقيلة بالتحرك نحو خان يونس، في مشهد نادر منذ بدء الحرب، لم تكن تلك الشاحنات تحمل مساعدات أو مواد بناء، بل فريقًا فنيًا مصريًا مُكلفًا بمهمة دقيقة، تحديد أماكن جثث رهائن إسرائيليين قُتلوا خلال المعارك، وسط الأنقاض الهائلة التي خلفها القصف.
القرار الإسرائيلي بالسماح للفريق المصري بالدخول جاء بموافقة شخصية من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بحسب ما أكد مكتبُه لصحيفة تايمز أوف إسرائيل.
وأوضح البيان، أن الفريق "فني بحت"، وأن مهمته تقتصر على "تحديد أماكن الجثث دون أي تدخل أمني أو سياسي"، غير أن المراقبين لم يخفوا شكوكهم حول الطابع "الفني" للعملية، فالقاهرة، التي تلعب منذ شهور دور الوسيط بين إسرائيل وحماس، تبدو اليوم طرفًا أساسيًا في إدارة ما بعد الهدنة، خاصة في الملفات الحساسة التي تلامس الجانب الإنساني والأمني في آنٍ واحد.
معلومات من تل أبيب وحماس
الفريق المصري تحرّك بعد مفاوضات مكثفة استمرت أيامًا، بمشاركة ضباط من المخابرات المصرية، وبتنسيق غير مباشر مع الأميركيين.
وأظهرت مقاطع مصوّرة نشرتها فرانس برس شاحنات مصرية داخل خان يونس، وسط حراسة مشددة، بينما أكد مصدر عسكري مصري أن القافلة كانت تنتظر الإذن النهائي عند معبر كرم أبو سالم قبل العبور إلى القطاع.
بحسب القناة الإسرائيلية الثانية عشرة، قدّمت كل من إسرائيل وحماس معلومات ميدانية للفريق المصري لتوجيه أعمال البحث، وهي خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب.
وتأتي هذه التطورات بينما لم تُسلّم حماس حتى الآن سوى رفات 15 من أصل 28 رهينة إسرائيليًا قُتلوا، في حين ما يزال مصير 13 آخرين مجهولًا، وتُشير التقديرات إلى أن جثثهم مطمورة تحت أنقاض المنازل المدمرة.
وفي المقابل، تتهم إسرائيل حماس بأنها تتعمد إخفاء المعلومات عن أماكن الجثث للضغط في المفاوضات الجارية حول صفقة تبادل جديدة، تشمل الإفراج عن نحو ألفي أسير فلسطيني مقابل ما تبقى من الرهائن، أحياءً وأمواتًا.
وقد أفادت مصادر إسرائيلية، بأن بعض العائلات أُبلغت بـ"الموقع العام" لذويهم، دون تفاصيل دقيقة، في محاولة لتهدئة الغضب الشعبي داخل إسرائيل.

خلاف صامت بين أنقرة وتل أبيب
في سياق متصل، كشفت تقارير تركية عن أن فريقًا مكونًا من 81 عنصر إنقاذ تركي لا يزال ينتظر منذ منتصف أكتوبر في مصر للحصول على إذن إسرائيلي مماثل لدخول القطاع، وهو ما رفضته تل أبيب، في مؤشر على استمرار الخلاف الصامت بين أنقرة وتل أبيب حول من يملك حق التدخل الميداني في غزة
ويُعد السماح للفريق المصري بالدخول تطورًا لافتًا في العلاقات الميدانية بين الجانبين، إذ لم يسبق لإسرائيل أن سمحت بوجود أطقم أجنبية على أراضي غزة لأغراض تتعلق برهائنها.
كما يرى مراقبون، أن الخطوة قد تُمهد لتعاون أوسع في ملف إعادة إعمار القطاع، إذا ما استقرت الهدنة الهشة، وهو ما تسعى القاهرة لتثبيته عبر مبادرات سياسية متتالية.
في المقابل، تستمر ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الطرفين، إذ منح حماس مهلة 48 ساعة لإعادة جثث رهينتين إضافيتين، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.
ويرى مراقبون، أن واشنطن تسعى لاستثمار هذه الخطوة لتأكيد دورها كضامن للاتفاقات، مع ترك المجال لمصر لإدارة تفاصيلها الميدانية.
وبينما ينشغل الفريق المصري بأعماله تحت الركام، تدور خلف الكواليس معركة دبلوماسية صامتة، عنوانها "من يملك مفاتيح غزة الجديدة؟"، فالقاهرة التي تثبت أقدامها في الميدان، تدرك أن هذه المهمة الفنية قد تكون أيضًا بدايةً لدور سياسي أكبر، في مرحلة يعاد فيها رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، من أنقاض حربٍ لم تضع أوزارها بعد.

العرب مباشر
الكلمات