سلام وسط ضجيج البندقية.. كشمير تهتز بعد إعلان وقف النار بين الهند وباكستان
سلام وسط ضجيج البندقية.. كشمير تهتز بعد إعلان وقف النار بين الهند وباكستان

لم تكد تمضي ساعات على إعلان اتفاق مفاجئ لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، حتى دوّت انفجارات غامضة في سماء كشمير، مثيرةً تساؤلات حول مدى صلابة التفاهم المعلن بين الجارتين النوويتين، من جامو إلى سريناغار، ارتفعت أصوات القذائف والطائرات المسيّرة، وكأن الأرض رفضت الهدوء المفاجئ، أو أن أطرافًا خفية قررت أن لا تسمح لبذور السلام أن تنبت في أرض مشبعة بالنزاع والتاريخ المتوتر.
الهجمات التي رُصدت بطائرات دون طيار فوق بلدات هندية، جاءت بالتزامن مع خطاب تصالحي لباكستان، وترحيب أمريكي بالدبلوماسية التي أوصلت إلى التفاهم، ومع ذلك، فإن أصوات الانفجارات ألقت بظلال ثقيلة على مشهد بدا واعدًا لساعات فقط، قبل أن تعيده الهشاشة الأمنية إلى مربّعه القديم. فهل ما جرى في كشمير اختبار مبكر لاتفاق لم يُمحّص بعد؟ أم أن السلام، كالعادة، لا يصمد طويلًا في هذه البقعة المتنازع عليها؟
*صمتٌ هش يهتزُّ تحت أقدام المسيّرات*
عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر منصته "تروث سوشيال"، عن توصل الهند وباكستان إلى اتفاق فوري وكامل لوقف إطلاق النار، بدا أن المنطقة المحمّلة بتاريخ من العداء تقف على أعتاب منعطف نادر.
غير أن الساعات الأولى بعد الإعلان سرعان ما أثبتت أن كشمير ليست ساحةً يمكن تهدئتها بتوقيع أو بتغريدة.
شهود عيان في مدينة جامو أفادوا لـ"رويترز" بأنهم شاهدوا مقذوفات في السماء، أعقبها دوي انفجارات عنيفة.
وفي بلدة أخرى ضمن الإقليم الهندي من كشمير، أكدت تقارير إعلامية دولية وقوع هجمات بطائرات دون طيار، ما شكّل سابقة في طبيعة الاستهداف داخل المنطقة المتنازع عليها.
رئيس وزراء جامو وكشمير السابق، عمر عبد الله، لم يتردد في الإشارة أن الانفجارات دوّت في أنحاء متعددة من سريناغار، عاصمة الشطر الهندي من كشمير، ملمّحًا إلى احتمال أن تكون الهجمات قد شملت أهدافًا داخل المدينة وليس فقط في محيطها الحدودي.
*إعلان سلام.. وسط ضجيج البندقية*
الإعلان عن وقف إطلاق النار كان ثمرة وساطة أمريكية قادها الرئيس ترامب، في محاولة تُحسب له دوليًا، خصوصًا أنه تزامن مع تعثر مبادرات أخرى في مناطق نزاع متعددة حول العالم.
وجاءت تصريحات ترامب حماسية: "استخدام الحس السليم والذكاء الكبير"، هكذا وصف قرار نيودلهي وإسلام أباد.
لكن على الأرض، بدا المشهد أكثر تعقيدًا، فرغم ترحيب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بالاتفاق، واعتباره "بداية جديدة لمسار السلام"، ورغم امتناع حكومته عن التعليق على التفجيرات أو تبنيها، فإن الصمت لم يكن كافيًا لطمأنة نيودلهي.
وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار أكد أيضًا أن باكستان ملتزمة بالسعي إلى الأمن الإقليمي دون المساس بسيادتها، في خطاب بدا معدًّا لمرحلة دبلوماسية طويلة الأمد.
لكن الهدوء الذي أراده الاتفاق تعرّض لهزّة عنيفة، ما أعاد طرح تساؤلات حول الأطراف المستفيدة من عرقلة المسار.
*سلام سياسي أم تكتيك استراتيجي؟*
في خلفية المشهد، تطفو ملفات أكبر من مجرد إطلاق نار متبادل، أبرزها معاهدة مياه نهر السند، التي انسحبت منها الهند مؤخرًا احتجاجًا على هجوم دموي استهدف سياحًا في كشمير.
رغم إعلان الهدنة، أكدت أربعة مصادر حكومية لرويترز، أن الاتفاق لم يشمل هذه القضية الحيوية، والتي تنظّم منذ عام 1960 تقاسم المياه بين البلدين.
الفراغ القانوني هنا لا يقل خطورة عن القذائف الطائرة. فالمياه في جنوب آسيا ليست فقط موردًا طبيعيًا، بل عنصر تفجير حقيقي يمكن أن يدفع بالأطراف إلى المواجهة، خصوصًا في ظل تغير المناخ وتزايد الاعتماد على الموارد المائية المشتركة.
*من يحكم السماء؟*
اللافت أن الهجمات الجوية التي أبلغ عنها في جامو وسريناغار تشير إلى تطور في أدوات الصراع.
لم يُعلن عن هوية الطائرات المسيرة أو الجهة التي أطلقتها، ما يفتح بابًا للتكهنات: هل كانت هجمات ردعية من مجموعات غير نظامية؟ أم رسالة من أطراف داخلية أو إقليمية غير راضية عن المسار التفاوضي الجديد؟
في منطقة اعتادت الحروب بالوكالة، ليس من المستبعد أن تكون هناك جهات تعتبر أن الاستقرار لا يخدم مصالحها، خصوصًا مع وجود قوى متشددة في كلا البلدين تتغذى على مناخ التوتر، وتقاوم أي تهدئة قد تقلّص من نفوذها.
*الرهان الأميركي تحت الاختبار*
من جانبه، يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية: إن من زاوية واشنطن، كان للاتفاق نجاحًا دبلوماسيًا طال انتظاره، لكنه بات اليوم على المحك.
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن عدم الاستقرار في كشمير قد يتحول إلى صداع جديد في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، ويقوّض جهود ترامب في تقديم نفسه كـ"صانع سلام" في الشرق والغرب معًا.