أطفال سوريا و"أردوغان".. مأساة تجنيد الأطفال وإلقائهم في "محرقة ليبيا"

أطفال سوريا و
صورة أرشيفية

ملايين الأطفال في سوريا لم يعرفوا طول حياتهم ومنذ مولدهم غير الحرب التي اندلعت وبعضهم لم يولد بعد والبعض الآخر كان لا يزال رضيعًا لا يعرف لماذا تنهار البيوت ويستمر القصف طوال اليوم، ولا يدرك لماذا قرر أبواه الهروب والعيش في بلاد أخرى داخل مخيمات معظمها لا يصلح للحياة الآدمية وترك بيتهم ووطنهم لميليشيات مسلحة تعيث فيه فسادًا، أما من كان طفلًا يلهو وقت بداية الحرب في سوريا فأصبح يجد نفسه الآن مجندًا داخل تلك الميليشيات ويحمل السلاح في سوريا وليبيا وعدة مناطق مشتعلة من العالم، فمنظمة الأمم المتحدة للطفولة أكدت أن هناك 5 ملايين طفل ولدوا في سوريا منذ اشتعال الحرب بالإضافة إلى مليون طفل آخر ولدوا في دول الجوار داخل المخيمات سقط منهم أكثر من 10 آلاف ضحية بين قتيل وجريح.

أردوغان دمر براءتهم.. أطفال سوريا مرتزقة يحملون السلاح التركي في ليبيا

منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" أكدت في إحصائية لها أن سوريا شهدت مقتل طفل كل عشر ساعات منذ اندلاع الحرب، كما رصدت تجنيد حوالي 5 آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين الـ7 سنوات والـ15 سنة.

من جانبه، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان تفاصيل تجنيد أطفال سوريين عبر فصائل مسلحة تابعة لأردوغان وتدريبهم للقتال في ليبيا، مؤكداً أنه حتى الآن تجاوز عدد القتلى الـ90 طفلًا من إجمالي 295 طفلًا تم تجنيدهم وتدريبهم على استخدام السلاح في تركيا وإرسالهم إلى ليبيا لينضموا إلى ميليشيات الوفاق.

وكانت تركيا قد اعترفت في فبراير الماضي بإرسال مقاتلين سوريين مدعومين من أنقرة لدعم حكومة الوفاق في طرابلس في معاركها ضد قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

وذكر المرصد أن هناك 295 طفلًا تتراوح أعمارهم بين الـ13 والـ18 عامًا غالبيتهم من فرقة السلطان مراد، جرى تجنيدهم للقتال في ليبيا عبر عملية إغراء مادي في استغلال كامل للوضع المعيشي الصعب وحالات الفقر.

وحول كيفية ذهاب هؤلاء الأطفال إلى ليبيا نقلت المنظمة عن مصادر أن الكثير من الأطفال يذهبون من إدلب وريف حلب الشمالي إلى عفرين، بحجة العمل هناك في بداية الأمر ومنهم من ذهب دون علم ذويه، ليتم تجنيدهم بعفرين من قِبَل الفصائل الموالية لتركيا، وإرسالهم للقتال في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق.

وكانت التقارير الدولية حذرت من خطورة استغلال الأطفال السوريين اللاجئين خارج بلدهم، حيث أكدت أن 60% منهم يواجهون خطر التجنيد للقتال، إضافةً إلى أن 90% منهم يواجهون أخطار العنف الجنسي والاستغلال كعمالة والجريمة المنظمة.

ونبّه التقرير الصادر عن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة على أن الأطفال السوريين يواجهون عمليات تجنيد تقوم بها المجموعات المسلحة وتشمل حتى الأطفال، والاستغلال للعمل، والزيجات في سن مبكرة، والعنف الأسري والجنسي، إضافة إلى حرمان أعداد هائلة منهم من حقهم في التعليم.

أطفال سوريا جميعهم ضحايا.. وتركيا جعلت أطفال الشمال الأكثر معاناة

المعاناة يعيشها جميع الأطفال في سوريا حيث حرم بعضهم من حقوقه واضطر البعض الآخر للعمل، فيما تم تجنيد آخرين ليصبحوا مرتزقة يقاتلون في أكثر مناطق العالم خطورة واشتعالًا، تقارير دولية أكدت أن أكثر أطفال سوريا تضررًا هم الموجودون في الشمال السوري الذي يخضع للسيطرة التركية سواء سيطرة عسكرية بواسطة قوات الجيش التركي أو سيطرة عن طريق ميليشيات مسلحة مدعومة من أردوغان.

الأطفال في تلك المناطق لم يفقدوا فقط حقوقهم، بل أصبحوا جزءًا من آلة الحرب، ويتم ضمهم للميليشيات ووضعهم في الصفوف الأولى عند اشتعال القتال حتى يستطيعوا الاتجار بهم وبصورهم وتصوير الخصم على أنه قاتل الأطفال الذي لا يرحم.

من جانبها، أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية تقريرًا بعنوان "لقد محوا أحلام أطفالي" حول ما خلفته سنوات الحرب من انتهاكات صارخة لحقوق الأطفال الأساسية، من بينها القتل والتشويه والجروح والتيّتم والحرمان من التعليم وتحمّل وطأة العنف الذي ترتكبه الأطراف المتنازعة، بالإضافة إلى تشريد أكثر من خمسة ملايين طفل داخل سوريا وخارجها.

وفي مؤتمر عُقد في جنيف، أكد باولو بينيرو، رئيس لجنة التحقيق، أن هذه الانتهاكات تؤثر على أجيال كثيرة في المستقبل، وقال إن على جميع الأطراف الفاعلة في النزاع بذل الجهود لحماية الأطفال، وأضاف "هالني تجاهل جميع الأطراف المتورطة في النزاع لقوانين الحرب واتفاقية حقوق الطفل بشكل صارخ".

وتستند المعلومات التي أوردها التقرير المكون من 25 صفحة إلى نحو خمسة آلاف مقابلة أجريت في الفترة الواقعة بين 2011 أكتوبر 2019 مع أطفال سوريين وشهود عيان وناجين وأقارب ناجين ومهنيين طبيين ومنشقين وأعضاء من المجموعات المسلحة والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمحامين وأعضاء المجتمعات المتأثرة.

ميليشيات أردوغان تزرع عملاء داخل المخيمات لتجنيد الأطفال وإغرائهم بالمال

يقول جاسر الهادي، 33 عامًا، سوري، إن المنظمات الحقوقية وعلى رأسها تلك التي تتبع الأمم المتحدة ترى وتسمع ما يحدث في حق أطفالنا، ورغم ذلك لا يقدموا لنا إلا توثيق الجرائم فقط، بلا حلول.

وأضاف: آخر التقارير التي نشرت من اللجنة الأممية أكدت قيام ميليشيات أردوغان باحتجاز أطفال وتعذيبهم واستخدامهم في أعمال منافية للآداب وكذلك تدريبهم على حمل السلاح وإلحاقهم بالميليشيات المسلحة، نحن نرى هذا بأعيننا ولكن ماذا بعد التقارير متى سيتدخل المجتمع الدولي لإنقاذ الطفولة في سوريا من مخالب أردوغان ورجاله.

وتابع: ابن أخي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره ورغم ذلك ترك مخيم النازحين الذي نعيش فيه واختار الذهاب إلى عفرين ليعمل في مجال الزراعة بعد أن أقنعه أحد الشباب بذلك لمساعدة أسرته، وهؤلاء الشباب تزرعهم ميليشيات أردوغان لاستقطاب هؤلاء الأطفال، "علي" الطفل الذي لم يتجاوز الـ15 من عمره بقي على اتصال معنا لفترة لم تتجاوز الشهر ثم انقطعت أخباره تمامًا.

بعض الأسر السورية توافق على تجنيد أطفالها بسبب رواتب "أردوغان" المغرية

في السياق نفسه، يقول هشام محمد، 40 عامًا، بعض العائلات في سوريا لم يجدوا طريقة لكسب المال غير إرسال أطفالهم طواعية للعمل أو للتجنيد في الميليشيات، فما تدفعه تلك الميليشيات للأطفال المسلحين يفوق ما يحصل عليه الأب خلال عام بالكامل.

وتابع: شخص جاء لبعض الأسر وتحدث معها عن راتب ضخم يبلغ الـ2000 دولار أميركي مقابل إرسال أبنائهم إلى تركيا ومنها إلى ليبيا، وأقنعهم أن هؤلاء الأطفال غير معرضين للخطر حيث سيذهبون للقتال مع حكومة تدعمها تركيا بالطائرات والمعدات العسكرية الكافية لتوفير حماية لهؤلاء الأطفال، ولن يبقى الطفل بعيدًا عن أسرته فخلال عام على الأكثر سيعود وسيكون وفر ما يقرب من 25 ألف دولار وهو مبلغ يثير طمع تلك الأسر التي يجبرها الجوع والفقر على التفريط في ابن من أبنائها ليستطيعوا الإنفاق على باقي أشقائه.

وأضاف: وجهت سؤالًا لهذا الشخص وأخبرته لماذا لا يرسل أردوغان جنود جيشه بدلًا من أطفال سوريا، فأجابني أن الحكومة التركية مضطرة لذلك حتى تتجنب العقوبات الدولية إذا ما قامت باحتلال ليبيا بشكل مباشر وبقوات الجيش التركي؛ لذلك هي تدفع رواتب تفوق ما يحصل عليه الضباط في تركيا لتجنب الدخول في صدام مع القوى الدولية.