من هو الملياردير المجهول الذي ساعد في دفع رواتب العسكريين في أمريكا؟

من هو الملياردير المجهول الذي ساعد في دفع رواتب العسكريين في أمريكا؟

من هو الملياردير المجهول الذي ساعد في دفع رواتب العسكريين في أمريكا؟
الملياردير المجهول

في لحظة من التوتر المالي غير المسبوق داخل أروقة واشنطن، وبينما كانت الرواتب العسكرية مهددة بالتوقف جراء الإغلاق الحكومي، ظهر "منقذ غامض" ليقدّم للحكومة الأميركية تبرعًا ضخمًا بلغت قيمته 130 مليون دولار. الرئيس دونالد ترامب أعلن عن الهدية المفاجئة واصفًا المتبرع بأنه "وطني وصديق شخصي"، لكنه آثر التكتم على هويته، هذا الغموض أثار عاصفة من التساؤلات حول من يملك الجرأة والقدرة على ضخ هذا المبلغ الهائل في خزانة الدولة في لحظة أزمة.

المتبرع المجهول


 لاحقًا، كشفت صحيفة نيويورك تايمز، أن "الفاعل المجهول" لم يكن سوى تيموثي ميلون، الملياردير الانعزالي ووريث واحدة من أعرق العائلات المصرفية في أميركا، والرجل الذي يوازن بين دعم ترمب وكينيدي في آنٍ واحد، قصة ميلون تكشف الكثير عن تشابك المال والسياسة في واشنطن، وعن الحدود الضبابية بين الوطنية والنفوذ.

ترامب أعلن عن التبرع في تصريح مساء الخميس، مشيرًا إلى أن المانح "وطني وصديق مقرّب"، لكنه رفض الكشف عن اسمه، وعندما سئل مجددًا أثناء مغادرته واشنطن، قال: إن "الرجل لا يسعى إلى الشهرة"، مضيفًا: "في عالم السياسة، الجميع يريد أن يُذكر اسمه، لكنه مختلف".

لكن خلف هذا الغموض، كان اسم ميلون يتردد في الكواليس، شخصان مطلعان أكدا لـ"نيويورك تايمز"، أن وريث عائلة ميلون المصرفية الشهيرة هو المتبرع الفعلي، في حين امتنعت وزارة الدفاع والبيت الأبيض عن التعليق، ولم يُبدِ ميلون، المعروف بعزلته، أي رغبة في الرد على أسئلة الصحيفة.

ميلون، الذي ينحدر من سلالة وزير الخزانة الأسبق أندرو دبليو ميلون، يُعدّ من كبار رجال الأعمال في قطاع السكك الحديدية، وأحد أبرز الداعمين الجمهوريين في السنوات الأخيرة.

فبعد أن كان بعيدًا عن المشهد السياسي لسنوات، تحوّل إلى أحد أكبر الممولين لحملات ترمب، إذ ضخّ عشرات الملايين في لجان الدعم الانتخابي، بينها 50 مليون دولار العام الماضي فقط.

داعم لترامب وكينيدي

ورغم دعمه الثابت لترمب، لم يتردد ميلون أيضًا في تمويل الحملة المستقلة لروبرت كينيدي جونيور عام 2024، الذي مثّل تيارًا معارضًا داخل المؤسسة السياسية الأميركية، كما دعم منظمته المثيرة للجدل المعروفة بمواقفها المناهضة للقاحات.

هذا التناقض بين التوجهات السياسية يعكس رؤية ميلون الخاصة التي عبّر عنها في مذكراته، حيث وصف نفسه بأنه "ليبرالي سابق" فرّ من الضرائب والزحام إلى ولاية وايومنغ، بحثًا عن العزلة والحرية.

ومع ذلك، فإن صورة ميلون لم تخلُ من الجدل، ففي سيرته الذاتية الصادرة عام 2015، أدلى بتصريحات وُصفت بالعنصرية، تحدث فيها عن "عدوانية السود" بعد توسع برامج الرعاية الاجتماعية في الستينيات، واعتبر أن هذه البرامج أعادت إنتاج "عبودية من نوع جديد".

وفي كتابه الأخير الصادر عام 2024، تحدّث عن تجربته في إعادة هيكلة مجموعة "بان آم سيستمز"، التي تضم شركات للنقل الجوي والبري، دون أن يتطرق إلى تبرعاته السياسية التي يفضّل إبقاءها طيّ الكتمان.

وخلال مقابلة نادرة في عام 2020، رد على أسئلة الصحافيين حول دعمه لترمب وبايدن بقوله: "سأتبرع لمن أشاء، ولست مضطرًا لتبرير ذلك لأحد".

منع العجز المالي

لكن التبرع الأخير لم يمر دون جدل قانوني. فوفقًا للمتحدث باسم وزارة الدفاع، شون بارنيل، تم قبول المبلغ تحت بند "صلاحية قبول الهبات العامة"، وهو إجراء نادر يسمح للجهات الحكومية بتلقي تبرعات من مواطنين أو مؤسسات.

غير أن خبراء قانونيين حذروا من أن الخطوة قد تمثل مخالفة محتملة لقانون "منع العجز المالي"، الذي يمنع إنفاق أو قبول أموال عامة دون موافقة الكونغرس.

وبحسب تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، فإن تبرع ميلون البالغ 130 مليون دولار يُعدّ رمزيًا مقارنة بإجمالي نفقات التعويضات العسكرية التي تبلغ نحو 600 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل نحو 100 دولار فقط لكل جندي من أصل 1.3 مليون جندي في الخدمة الفعلية.

ورغم محدودية أثر المبلغ على ميزانية الدفاع العملاقة، إلا أن رمزيته السياسية كبيرة، فالتبرع أعاد تسليط الضوء على الدور المتنامي للأثرياء في تمويل مؤسسات الدولة، وطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الوطنية في عصر رأس المال يمكن أن تُشترى بالمال حتى عندما تأتي من "فاعل خير مجهول" مثل تيموثي ميلون.