سلاح المياه يزيد سخونة الأجواء بين طهران وتل أبيب.. إيران تواجه أخطر سنوات العطش
سلاح المياه يزيد سخونة الأجواء بين طهران وتل أبيب.. إيران تواجه أخطر سنوات العطش

وسط صيف حار يلهب الشوارع الإيرانية، تتفاقم أزمة المياه لتتحول من تحدٍ بيئي إلى اختبار سياسي واجتماعي خطير، ما كان يُنظر إليه سابقًا كجفاف موسمي أصبح اليوم أزمة بنيوية تهدد حياة الملايين، وتضع النظام أمام ضغوط داخلية وخارجية غير مسبوقة، الأنهار الجافة والبحيرات المنحسرة وطبقات المياه الجوفية المنهارة، ليست مجرد مشاهد بيئية، بل مؤشرات على انهيار منظومة إدارة المياه في بلد كان يفاخر بقدراته الهندسية، ومع انزلاق الأزمة إلى قلب العاصمة طهران، دخلت السياسة على خط العطش، إذ وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة علنية للإيرانيين، عارضًا تكنولوجيا بلاده مقابل تغيير النظام، فيما ردّ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان باتهام تل أبيب بالنفاق.
بين حرارة المناخ وسخونة الخطاب السياسي، يجد المواطن الإيراني نفسه محاصرًا بين نقص الماء وتصاعد التوترات، في معركة لم تعد تقتصر على البحث عن جرعة ماء، بل على أي مستقبل ينتظره.
*وضع خطير*
إيران، التي لطالما عانت من قسوة الطبيعة وقلة الموارد المائية، تعيش اليوم أخطر سنواتها على الإطلاق، خمسة أعوام متتالية من الجفاف الحاد جعلت البلاد على حافة الانهيار المائي، حيث لم تعد أزمة المياه مجرد أزمة بيئية أو فنية، بل تهديدًا وجوديًا يمس الأمن الوطني والمعيشة اليومية للمواطنين.
تشير البيانات الرسمية، أن إيران فقدت بين عامي 2003 و2019 نحو 211 مليار متر مكعب من المياه، أي ما يعادل ضعف إمداداتها المتجددة.
ومع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، باتت التربة تجف أسرع، والتبخر يزداد، وتغذية طبقات المياه الجوفية تتراجع بشكل خطير، هذه المعادلة القاتلة تجعل كل سنة جافة أكثر قسوة من سابقتها، فيما يظل الاستهلاك على حاله دون أن ترافقه سياسات جذرية للترشيد أو الإصلاح.
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اعترف -في يوليو الماضي-، بأن الوضع أخطر مما يُناقش علنًا، محذرًا من أن طهران قد تعجز قريبًا عن توفير المياه لملايين سكانها، ومع ذلك، فإن المشهد في العاصمة يظل متماسكًا نسبيًا مقارنة ببقية المدن، حيث لم تندلع احتجاجات واسعة بعد.
لكن في الأقاليم الأخرى، من خوزستان إلى أصفهان، شهدت السنوات الأخيرة موجات من المظاهرات شارك فيها مزارعون وعمال وأسر بأكملها، احتجاجًا على جفاف الأنهار ونضوب الآبار.
*رسالة نتنياهو*
تأثير الأزمة لا يقتصر على الجوانب المعيشية فقط، بل يمتد إلى الاقتصاد وسوق العمل، إذ ارتفع الطلب على المضخات المنزلية وخزانات المياه؛ ما أدى إلى تضخم أسعارها. بعض العائلات لجأت إلى جلب المياه من منازل الأقارب، فيما سافر آخرون إلى الشمال الأكثر رطوبة هربًا من الجفاف، ومع حرارة الصيف التي تجاوزت أحيانًا 45 درجة مئوية، تحوّل نقص المياه إلى عبء يومي خانق.
في خضم هذه الأزمة، قفز البُعد السياسي إلى الواجهة، حيث وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رسالة مصورة باللغة الإنجليزية إلى الإيرانيين، تطرّق فيها إلى أزمة نقص المياه التي تشهدها البلاد.
وانتقد نتنياهو القيادة الإيرانية قائلاً: "فرض علينا قادتكم حربًا استمرت 12 يومًا وتلقوا هزيمة ساحقة. إنهم دائما يكذبون ونادرًا ما يقولون الحقيقة"، ودعا الشعب في إيران إلى "التحلي بالجرأة والشجاعة، والجرأة على الحلم".
وتابع نتنياهو قائلا: "اخرجوا إلى الشوارع واطلبوا العدالة واطلبوا المساءلة احتجوا على الطغيان... قوموا ببناء مستقبل أفضل لعائلاتكم ولجميع الإيرانيين. لا تدعوا هؤلاء الملالي المتعصبين يفسدون حياتكم لدقيقة واحدة أخرى".
ووعد نتنياهو الإيرانيين، عقب إعلان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن البلاد تعاني من مشاكل في المياه والكهرباء، قائلا: "إسرائيل هي الأولى عالميًا في إعادة تدوير المياه". بمجرد تحرير إيران، سيأتي الخبراء والتكنولوجيا لإعادة تدوير المياه من إسرائيل إلى إيران"، مضيفًا، في هذا الصيف الحار لا يوجد حتى مياه نظيفة وباردة لأطفالكم. هذه هي قمة النفاق وعدم الاحترام لشعب إيران. أنتم لا تستحقون هذا الوضع.
لكن الرد الإيراني جاء سريعًا وحادًا، الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وصف وعود نتنياهو بأنها "سراب"، واتهمه بحرمان سكان غزة من الماء والغذاء، متسائلًا: كيف يمكن لمن يفعل ذلك أن يجلب الماء لإيران؟
*سرقة السٌحب*
الخبراء يرون أن الأزمة مرشحة للتفاقم إذا لم تتخذ الحكومة الإيرانية إجراءات عاجلة، تبدأ من إعادة هيكلة إدارة الموارد المائية، وتقليل الهدر الزراعي والصناعي، والاستثمار في تقنيات التحلية وإعادة التدوير، كما يحذرون من أن استمرار الضغط على طبقات المياه الجوفية قد يؤدي إلى هبوط الأراضي وتدمير البنية التحتية، وهو ما ستكون كلفته الاقتصادية والاجتماعية هائلة.من جانبه، وجّه خبير إيراني في شؤون الموارد المائية اتهامات مباشرة إلى كلٍّ من واشنطن وتل أبيب، زاعمًا أنهما تقومان بعملية "سحب السحب" وإبعادها عن الأجواء الإيرانية، بهدف تعميق أزمة الجفاف التي تعاني منها البلاد.
وفي مقابلة بثتها قناة "ميمري" التابعة لمعهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط، صرّح العالم الإيراني محسن أربابيان بأن الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تدّعيان امتلاكهما القدرة على التسبب في الجفاف وتكنّان العداء لطهران، مارستا هذه السياسة على مدى الأربعين عامًا الماضية.
وأوضح أربابيان، أن صور الأقمار الاصطناعية تكشف بوضوح مسارات غير طبيعية لحركة السحب، حيث تُظهر انحرافها عن مسارها المعتاد، لافتًا أن بحيرة فان التركية لا تزال ممتلئة بالمياه في الوقت الذي جفت فيه بحيرة أرومية الإيرانية.
وأضاف: أن السحب القادمة من البحر المتوسط كان من المفترض أن تدخل الأجواء الإيرانية، لكن مسارها يتغير تدريجيًا نحو تركيا وأذربيجان وأرمينيا.
ورغم أن هذه الادعاءات تفتقر إلى إثبات علمي قاطع، فإنها ليست الأولى من نوعها في سياق ما يُعرف في إيران بـ"سرقة السحب" أو "تعقيمها". ففي عام 2012، وجّه الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد اتهامات إلى ما وصفهم بـ"الأعداء" بالاستحواذ على حصة بلاده من السحب الممطرة؛ ما أدى إلى إحلال الجفاف في إيران.
كما عاد الحديث عن هذه الفرضية في عام 2018، حين صرّح العميد غلام رضا جلالي، رئيس منظمة الدفاع المدني الإيرانية، بوجود "تدخلات خارجية تهدف لتغيير الظروف المناخية"، موجّهًا أصابع الاتهام إلى إسرائيل ودولة إقليمية – لم يُسمّها – بالتعاون في عمليات تعقيم السحب الإيرانية.