محلل سياسي تونسي: خطر الجماعات المتطرفة ما زال قائمًا رغم النجاحات الأمنية
محلل سياسي تونسي: خطر الجماعات المتطرفة ما زال قائمًا رغم النجاحات الأمنية

رصد تقرير بحثي حديث استمرار تهديد الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا للأمن الإقليمي والأوروبي، رغم التراجع النسبي في الهجمات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة، مؤكدًا أن خطر هذه الجماعات ما زال قائمًا في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية وتنامي شبكات التهريب والهجرة غير الشرعية.
ووفقًا للدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والتطرف، فإن الأوضاع التي أعقبت ثورات "الربيع العربي" في تونس وليبيا وفّرت بيئة خصبة لنمو الجماعات الجهادية، على رأسها "داعش" و"القاعدة"، مما ضاعف من تعقيد المشهد الأمني في شمال إفريقيا، وألقى بظلاله على أمن القارة الأوروبية.
وفي تونس، أشار التقرير إلى أن تنظيمات مثل "كتيبة عقبة بن نافع" و"جند الخلافة" ما تزال تنشط، وإن بشكل محدود، في المناطق الجبلية الغربية القريبة من الحدود الجزائرية، وسط جهود أمنية مكثفة لتفكيك ما تبقى من خلاياها. وقد انخفض عدد الإرهابيين المتحصنين بالجبال من 117 عنصرًا عام 2016 إلى 11 فقط عام 2023، بحسب وزارة الداخلية التونسية.
وسلّط التقرير الضوء على محطات بارزة في مواجهة الإرهاب بتونس، من بينها عملية "بن قردان" عام 2016 التي أفشلت محاولة "داعش" إعلان إمارة إرهابية جنوب البلاد، ونجاح الأجهزة الأمنية في كشف خلايا نائمة كان أخطرها "خلية طلوت الشامي" المرتبطة بالتنظيم.
أما في ليبيا، فأكدت الدراسة أن الانقسام السياسي والفراغ الأمني منذ عام 2011 جعل البلاد مرتعًا للتنظيمات المتطرفة، التي استغلت مناطق الجنوب مثل "فزان" كنقاط انطلاق لعملياتها وتحركاتها. وتورطت عناصر "داعش" في أنشطة تهريب السلاح والبشر والمخدرات، مما شكّل تهديدًا مزدوجًا للأمن المحلي والإقليمي.
وذكر التقرير أن التنظيم لا يزال يحتفظ ببعض الخلايا الصغيرة، يتراوح عددها بين 100 إلى 200 مقاتل، ويركز على الأنشطة اللوجستية مثل تمويل الجماعات المنتسبة له في منطقة الساحل، مستفيدًا من التحالف مع شبكات تهريب وعصابات محلية.
كما ربط التقرير بين وجود هذه الجماعات وخطر الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، مشيرًا إلى أن ليبيا وتونس شكّلتا منصتين رئيسيتين لانطلاق قوارب المهاجرين. ففي عام 2024 وحده، وصل نحو 41 ألف مهاجر إلى السواحل الإيطالية انطلاقًا من ليبيا، فيما بلغ عدد المهاجرين من تونس قرابة 19 ألفًا.
وأظهر تقرير "اليوروبول" أن تنظيم داعش سعى لاختراق مسارات الهجرة بهدف إرسال عناصر متطرفة إلى أوروبا، إما لتنفيذ هجمات أو تجنيد أفراد جدد، مستغلًا هشاشة أوضاع المهاجرين في مناطق العبور جنوب ليبيا.
واختتمت الدراسة بتوصيات بضرورة تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي بين دول شمال إفريقيا والاتحاد الأوروبي، مع التركيز على تجفيف منابع التمويل ومنع استغلال المسارات غير الشرعية في عمليات التجنيد أو التسلل الإرهابي.
أكد المحلل السياسي التونسي الدكتور سفيان بن حمد أن تراجع الهجمات الإرهابية في تونس وليبيا خلال السنوات الأخيرة لا يعني زوال خطر الجماعات المتطرفة، مشيرًا إلى أن التهديد ما زال قائمًا في ظل استمرار الهشاشة الأمنية والسياسية في المنطقة.
وفي تصريح خاص لـ"العرب مباشر"، أوضح بن حمد أن تونس "نجحت أمنيًا في تفكيك عدد كبير من الخلايا النائمة، وقلّصت بشكل كبير من تواجد الإرهابيين في الجبال، لكن واقع السجون والبيئات الهشة اقتصاديًا واجتماعيًا لا يزال يمثل خزّانًا محتملًا لإعادة إنتاج التطرف".
وأشار إلى أن التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة" استطاعت التأقلم مع الضربات الأمنية عبر تحوّلها إلى العمل السري والخلايا الصغيرة، لافتًا إلى أن "الخطر الأكبر اليوم يكمن في التعاون المتزايد بين هذه الجماعات وشبكات التهريب، خاصة في الجنوب الليبي".
وحذر بن حمد من أن استمرار الفوضى الأمنية في ليبيا يُمثل تهديدًا مباشرًا لدول الجوار، ويفتح ثغرات خطيرة لتسلل العناصر الإرهابية باتجاه تونس والجزائر، وحتى نحو أوروبا، خاصة في ظل تقاطع مسارات الهجرة غير النظامية مع أنشطة التنظيمات المسلحة.
وأضاف: "أن محاربة الإرهاب لم تعد مسألة أمنية فقط، بل تتطلب رؤية شاملة تتضمن إصلاحًا سياسيًا واقتصاديًا، وتنمية المناطق المهمّشة، وتجفيف منابع التطرف داخل السجون، وفي خطاب بعض التيارات المتشددة التي ما زالت تنشط تحت غطاء العمل الدعوي".
وختم بن حمد بالتأكيد على أهمية دعم دولي وإقليمي أكثر فاعلية لبرامج مكافحة الإرهاب، قائلًا: "المنطقة لا تزال على برميل بارود.. وما يُنجز أمنيًا لا يكفي إذا لم يصاحبه استقرار سياسي وتعاون استخباراتي عابر للحدود".