في عهد طالبان: المرأة الأفغانية.. حياة تحت جُنْح الظلام

تعيش المرأة الأفغانية تحت حكم طالبان حياة تمتلأ بالتعاسة والاضطهاد

في عهد طالبان: المرأة الأفغانية.. حياة تحت جُنْح الظلام
صورة أرشيفية

بعد تولي طالبان السيطرة على أفغانستان، تبدلت الحياة بالبلد الآسيوية، في كل مجالاتها وبين جميع أفرادها، فمنهم من تمكن من الفرار، بينما فشل آخرون في ذلك، ليعانوا ويلات الحركة الإرهابية، وخاصة من النساء، اللاتي باتت حياتهن "تحت جُنْح الظلام".

مخاوف ضخمة

بعد أن استعادت طالبان السيطرة على أفغانستان، قفز للأذهان فترة حكمها الأولى منذ 20 عامًا، والتي رسخت فيها نظاما صارما من الشريعة الإسلامية، وهو ما ولد مخاوف ضخمة بين النساء، رغم محاولات الحركة الظهور في صورة أقل تشددا، حيث زعمت منحها المرأة حقوقها وبشيء من حرية التعبير.

وسلطت الأمم المتحدة الضوء على تقارير بشأن انتهاكات الحركة، فيما يخص القيود على النساء، فيما شددت المفوضة السامية لمنظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ميشيل باشليت، على أن حقوق المرأة "خط أحمر أساسي".

بينما رد المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، بقوله إن أي قيود على النساء ستكون قصيرة الأمد، مضيفا: "قواتنا الأمنية غير مدربة على كيفية التعامل مع النساء، أو التحدث إليهن بالنسبة للبعض، وحتى يصبح لدينا أمن شامل... نطلب من النساء البقاء في المنازل".

فترة الحكم الأولى

قبل 20 عاما، عانت النساء في أفغانستان بشدة من طالبان، حيث إنها خلال فترتها الأولى، حظرت العمل على النساء ومنعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس، وفرضت عليهن ارتداء الملابس التقليدية والالتزام بالبرقع.

كما منعت طالبان النساء من الخروج من المنزل والتنقل في الأماكن العامة من دون مَحرَم ومرافق من الرجال.

فيما تعرضت النساء اللواتي خالفن تعاليم طالبان إلى ممارسات مذلة، وإلى الجلد والإيذاء على أيدي الشرطة الدينية، بالإضافة إلى رجم النساء اللائي اتهمن بالزنا، ووصل الأمر إلى أعمال وحشية ضد النساء مثل قطع الرأس والرجم حتى الموت.


ولكن بعد الإطاحة بالحركة، تمكنت المرأة الأفغانية من استعادة بعض حقوقها وحققت تقدما، ولكن مع عودة طالبان، بات مستقبل النساء مجهولا يشوبه الكثير من الخوف والقلق.

وخلال تلك الفترة، لم تُسجل أي فتاة في أفغانستان بالمدرسة الثانوية عام 1999، ولم يتعدَّ عدد الفتيات في المدارس الابتدائية 9000 تلميذة، في حين وصل في عام 2003 عدد الفتيات بالمدارس الابتدائية 2.4 مليون تلميذة، ثم إلى 3.5 مليون تلميذة.  

مستقبل مظلم

مع تولي طالبان، تغيرت ملامح الحياة تماما، حيث سارعت محالّ صالونات التجميل إلى إزالة صورة العرائس التي كانت تزين واجهات تلك المحالّ، فيما ارتفعت أسعار البرقع بشدة وبصورة عالية، لدرجة أغلب النساء لجأن إلى مفرش السرير لارتدائه، حيث لم تتمكن بعض النسوة من شرائه بسبب إغلاق المحالّ التجارية.

وقالت إحدى الأفغانيات: إن ما حدث لم يكن متوقعا بتلك السرعة، حيث كان يعتقد أنه سيستغرق حوالي عام، مبدية مخاوفها البالغة على حياتها، ومن المستقبل القاتم الذي ينتظر الأفغانيات.

في مؤتمر صحفي لطالبان، قالت الحركة: إنه سيسمح للنساء بالعمل والتعلم "في إطار الشريعة الإسلامية"، لكن في حقيقة الأمر، اختفت الكثير من السيدات في منازلهن خوفًا من عدم التزام طالبان بذلك الحديث، خاصة أنه في العديد من الأماكن، منع مسلحوها النساء من الذهاب إلى العمل. 

وأكدت الكثير من النساء الأفغانيات أنهن يفضلن البقاء بمنازلهن خوفًا على حياتهن، حيث قالت فرزانه كوتشاي، وهي نائبة برلمانية: إنه: "لا نعرف شيئاً عن أجنداتهم، ما يقلقنا هو أنهم لا يتطرقون إلى الحديث عن النساء إطلاقاً".

وأضافت: "لا ينبغي إبعادنا عن المجتمع، يجب أن نواصل عملنا ونظل في الحكومة وفي أي مكان نريد"، موضحة أن: "الكثيرات تغيرن نفسيا واجتماعيا وسياسيا، وبات معظمنا يختبئ. لا يمكننا حتى أن نكون على مواقع التواصل الاجتماعي أو القيام بوظائفنا أو الخروج من منازلنا".

مؤشرات مقلقة

وفقًا لموقع "روسيا اليوم"، رصدت عدة مؤشرات دولية، زيادة المخاوف من عودة الزمن إلى الوراء، وتراجع النساء عما تحقق لهن في العقدين الأخيرين من مكاسب، خاصة أن طالبان أزالت صور النساء من واجهات المحلات التجارية، وأمرت النساء بعدم مغادرة منازلهن إلا بمحرم، وأبلغن أنه لم يعد بإمكانهن العمل أو الالتحاق بالمؤسسات التعليمية أو التسوق، وارتداء الملابس التي تروق لهن، في حين تنفي أصوات من داخل طالبان مثل هذا الأمر.

ومن خلال تلك الإشارات المقلقة على مستقبل النساء، بشأن ما يتداول من أن موظفات تعملن في مصرفين، أحدهما في قندهار والثاني في هرات، تعرضن لمضايقة عناصر من طالبان، حيث أجبرن على العودة إلى منازلهن وأمرن بعدم العودة إلى عملهن.

قوائم الزواج القسري

بينما أفادت تقارير عديدة بتفقد عناصر من طالبان منازل المواطنين لإعداد قوائم للنساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 45 عاماً، بغرض تزويجهن قسراً من المقاتلين الإسلاميين. 

وأكد موقع "فرانس برس"، أنه بالنسبة لجيل كامل من الأفغانيات اللواتي نجحن في اقتحام الحياة العامة والعمل كمشرعات وصحافيات ومحافظات وطبيبات وممرضات ومعلمات وعاملات في الإدارات العامة، فإن خسارة كبيرة تنتظرهن. 

كما وصفت نائبة رئيس الجامعة الأميركية في أفغانستان فيكتوريا فونتان، وضع النساء والفتيات الأفغانيات بـ"قاتم للغاية"، خصوصاً منهن الطالبات، مضيفة أن "بعض طالباتها مختبئات في مدينتَيْ قندهار وهرات، وبما أن شريان الحياة الوحيد المتبقي (للطلاب) هو شبكة الإنترنت، فهم قلقون للغاية من البقاء في منازلهم وعدم التمكن من مزاولة الدراسة".

حقوق في مهب الريح

فيما علق الدكتور أيمن عطالله، خبير القانون الدولي، على ذلك الأمر بقوله إن حقوق الأفغانيات باتت في مهب الريح مع تولي حركة طالبان، والمعروفة بتاريخها الإجرامي ضد النساء والكثير من الانتهاكات التي شهدتها الأفغانيات.

وأكد عطا الله أن القانون الدولي يمنع تلك الانتهاكات بحق الإنسان وخاصة النساء، وهو ما يهدد بفرض عقوبات على أفغانستان.

وطالب بأهمية بذل الجهات الحقوقية الدولية، وخاصة الأمم المتحدة وهيئتها للمرأة واليونيسف، من أجل دعم النساء وتوفير ملاذات آمنة لهن، بجانب تعيين مفوض خاص للنساء بأفغانستان، لمتابعة التزام طالبان بمراعاة حقوقهن.

وأبدى مخاوفه من خسارة الأفغانيات لمكتسباتهن بعد فترة حكم طالبان الأولى، في ظل التقارير الدولية التي تتجه لذلك، ومع انتشار الأخبار عن الوضع الداخلي في كابول، وهو ما سيعيد البلاد إلى عدة عقود ويمنع تقدمهم خلال الفترة المقبلة، ولذلك يجب التوصل لآلية لتقديم دعم للنساء والأطفال.