إمبراطور أوراكل.. كيف اقترب لاري إليسون من حكم عالم البيانات؟

إمبراطور أوراكل.. كيف اقترب لاري إليسون من حكم عالم البيانات؟

إمبراطور أوراكل.. كيف اقترب لاري إليسون من حكم عالم البيانات؟
لاري إليسون

في زمن تتسارع فيه ثورات التكنولوجيا وتتحول فيه البيانات إلى ذهب خام يحرك الاقتصادات ويغير موازين القوى، يبرز اسم لاري إليسون بوصفه أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في صناعة المعلومات الرقمية، لم يعد مؤسس شركة "أوراكل" مجرد ملياردير صنع ثروته في عالم البرمجيات، بل تحول إلى لاعب مركزي يدير البنية التحتية التي تعتمد عليها حكومات كبرى، وجيوش، ومؤسسات مالية حول العالم، فالبيانات التي لطالما اعتُبرت مكوّنًا تقنيًا تجميليًا أصبحت اليوم الأداة الأهم في الأمن القومي والاقتصاد العالمي، ومعها أصبح من يتحكم بالبنية الرقمية قادرًا على لمس حياة مليارات البشر دون أن يظهر اسمه في العناوين اليومية.

 رحلة إليسون، التي بدأت بقرار ترك الجامعة عام 1977، تطورت بشكل غير متوقع إلى بناء أحد أعمدة النظام الرقمي الحديث، ومع توسع نفوذ "أوراكل" وتغلغل تقنياتها في الجهات السيادية، بات السؤال الأكثر إثارة: كيف أصبح رجل واحد قريبًا من التحكم ببيانات نصف سكان الكوكب؟

أوراكل.. من مشروع ناشئ إلى العمود الفقري للمعلومات السرّية

لم يكن لاري إليسون حين خطا أولى خطواته نحو تأسيس شركة برمجيات صغيرة يدرك أنه يضع حجر الأساس لإمبراطورية ستصبح لاحقًا الركيزة الأساسية لنظم قواعد البيانات في العالم.

ففي عام 1977، ومع صديقين فقط، انطلقت شركة "أوراكل" كمحاولة جريئة لاستثمار فكرة بناء قاعدة بيانات تعتمد على لغة "SQL" التي كانت حديثة العهد آنذاك، تلك الفكرة، التي بدت تقنية للغاية ومحدودة الأفق، سرعان ما تحولت إلى مشروع تجاري ضخم يُعاد تشكيله على مدار عقود ليصبح قوة لا ينافسها سوى عدد قليل من الشركات العملاقة.

اليوم تُعد أنظمة أوراكل جزءًا لا يتجزأ من البنية التحتية للعديد من المؤسسات الحساسة حول العالم، من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى البنوك العالمية الكبرى، مرورًا بالجيوش والجهات الحكومية التي تعتمد عليها لتخزين وإدارة معلوماتها الحيوية.

هذا التغلغل العميق في المؤسسات السيادية لم يكن صدفة، فقد نجحت الشركة في تقديم حلول تتسم بالموثوقية العالية، والتشفير القوي، والقدرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي، ومع مرور الوقت، أصبحت أنظمة أوراكل خيارًا شبه إلزامي لكل جهة تبحث عن الأمان والاستقرار التقني.

لماذا يتحكم إليسون في بيانات نصف العالم؟

لا يمتلك إليسون بيانات العالم بشكل مباشر، لكنه يمتلك الشركة التي تمثل محركًا رئيسيًا للبيانات التي تمر عبرها، فشركة أوراكل تدير قواعد بيانات تحتوي على معلومات مالية، مصرفية، اتصالات، سجلات حكومية، بيانات شركات، وأحيانًا معلومات حساسة للأفراد.

وبينما تسيطر شركات مثل "أمازون" و"مايكروسوفت" على مساحات واسعة من سوق الحوسبة السحابية، نجحت أوراكل في تعزيز موقعها خلال السنوات الأخيرة عبر تطوير خدمات سحابية تنافس الكبار، وتقديم مستوى عالي من التكامل بين قواعد البيانات التقليدية والبنية السحابية الحديثة. 
وهذا النمو القوي دفع الشركة لتكون في قلب البنية الرقمية العالمية.

صعود الثروة.. رحلة مستمرة نحو القمة

بلغت ثروة لاري إليسون 354 مليار دولار في سبتمبر الماضي، وفق مؤشر بلومبرج، لكن ما لبثت هذه الثروة أن قفزت بنحو 70 مليار دولار خلال أسابيع قليلة بعد صعود أسهم أوراكل إلى مستويات غير مسبوقة عقب نتائج مالية فاقت التوقعات. 

ويرجع ذلك إلى ملكيته قرابة 40% من أسهم الشركة، إضافة إلى حصة كبرى في شركة "تسلا" التي عززت بدورها مكانته في نادي الأكثر ثراءً في العالم.

هذا الارتفاع الجنوني في ثروته جعله يتجاوز مارك زوكربيرغ، ويقترب بشكل لافت من إيلون ماسك، ليصبح المرشح الأبرز لاعتلاء صدارة قائمة الأغنى عالميًا في وقت قريب.

إستراتيجية إليسون.. السيطرة عبر التكنولوجيا لا المال فقط

على عكس كثير من أثرياء وادي السيليكون، لا يعتمد نفوذ إليسون فقط على حجم ثروته، بل على موقع شركته في بنية العالم الرقمية، فهو يدير شركة تعتمد عليها المؤسسات لا لتطوير تطبيقات أو لتخزين صور المستخدمين أو منشوراتهم، بل لإدارة بيانات جوهرية تشكل عصب الأمن القومي والاقتصاد العالمي، هذا النوع من السيطرة يمنحه نفوذًا استثنائيًا غير مرئي، يجعل تأثيره يصل إلى أماكن لا يصلها قادة دول أو رؤساء شركات أخرى. ومع توسع خدمات أوراكل السحابية، وتعزيزها لبنيتها العسكرية والتجارية، تتضاعف قدرته على التأثير.