المجاعة في غزة: قوافل مصرية وجسور جوية أوروبية تكافح تضييق الاحتلال

المجاعة في غزة: قوافل مصرية وجسور جوية أوروبية تكافح تضييق الاحتلال

المجاعة في غزة: قوافل مصرية وجسور جوية أوروبية تكافح تضييق الاحتلال
حرب غزة

في غزة، حيث تُقايض الحياة بالخبز ويُختزل الأمل بوجبة طعام، تتقاطع المآسي اليومية مع جهود دولية تتسم بالتأخير والتضييق، وسط حصار خانق ومجاعة تزداد ضراوة، تتوالى قوافل الإغاثة وتتكثف عمليات الإسقاط الجوي في محاولة لكسر جدار التجويع، لكن المشهد يبقى بعيدًا عن الاكتمال، في الوقت الذي تواصل فيه الشاحنات المصرية عبورها اليومي نحو القطاع المحاصر، وتحلّق الطائرات الإماراتية والأردنية والأوروبية، في سماء غزة لتلقي المساعدات، يرفض الاحتلال دخول شحنات تحتوي على مياه وأدوية دون مبررات، متجاهلًا مؤشرات كارثية عن تدهور صحي ومعيشي، وبينما تبدأ بعض الدول بإنشاء جسور جوية وإنسانية، وتخطط واشنطن لتوزيع الطعام ميدانيًا، تبقى المجاعة واقعًا لا تقر به سوى الصور القادمة من المستشفيات المزدحمة بجثث الأطفال.

 هذا التقرير يرصد خريطة الجهود الإغاثية المتعددة، بين الأرض والجو، ويحلّل موقع غزة داخل معادلة دولية معقّدة تتداخل فيها الاعتبارات السياسية بالضرورات الإنسانية.

جهود مصرية هائلة


منذ اندلاع الحرب الأخيرة، تحوّلت غزة إلى ساحة اختبار للضمير العالمي، حيث يقف نحو 2.4 مليون إنسان على حافة الجوع، محاصرين وسط دمار واسع ونقص فادح في أساسيات الحياة.

وفي ظل الانهيار التام للمنظومة الغذائية والصحية، تواصل مصر أداء دورها المحوري كقناة تنفس وحيدة للقطاع عبر معبر كرم أبو سالم، حيث تعبر قوافل يومية تحمل على متنها أطنانًا من الدقيق والغذاء.

ويبلغ مجموع ما عبر في الساعات الأخيرة نحو 1300 طن، بينها 450 طنًا من الدقيق، وفق مصادر رسمية مصرية، بينما تُمنع شحنات تحتوي على مياه وأدوية دون مبرر من السلطات الإسرائيلية.

تجري عملية التسليم داخل ساحة مخصصة بالمعبر، حيث تُنقل المساعدات من الشاحنات المصرية إلى شاحنات فلسطينية تحت إشراف لوجستي دقيق، ما يعكس تعقيد الإجراءات واستمرار الحصار بأشكال متعددة. 

ومع ذلك، فإن هذه الجهود تواجه تحديات جمّة بسبب البطء المقصود في إدخال الإمدادات، وتضييق إسرائيل على المواد الأساسية، ما يدفع العديد من الدول إلى استخدام الجو كوسيلة لكسر العزلة.

مساعدات من السماء.. ومواقف متباينة على الأرض
في تطور لافت، بدأت مصر للمرة الأولى منذ سريان الهدنة الإنسانية في إسقاط مساعدات من الجو في قلب قطاع غزة، في خطوة تنسجم مع عمليات مماثلة تنفذها الإمارات والأردن.

وتعدّ الإمارات من أبرز المساهمين عبر حملة "طيور الخير"، حيث نفذت إسقاطًا جويًا ثانيًا مؤخرا، وتستعد لعملية ثالثة، مع تدفق قوافل برية تحمل معدات طبية وغذائية، وأخرى مخصصة لتشغيل خط مياه بطول 7 كيلومترات لتوفير 2 مليون جالون يوميًا للنازحين بين رفح وخان يونس.

ألمانيا أعلنت من جهتها عن إقامة "جسر جوي إنساني" بالتنسيق مع الأردن، في حين شاركت إسبانيا بإلقاء 12 طنًا من المساعدات الغذائية هذا الأسبوع.

وصرّح رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بأن "المجاعة في غزة عار على البشرية"، في موقف يعكس التباين الحاد بين بعض الدول الأوروبية المؤيدة للعدوان الإسرائيلي وتلك التي تتبنى خطابًا نقديًا واضحًا.

تحوّل أمريكي متأخر.. وتلميح لتدخل مباشر


الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي نأى بنفسه طيلة شهور عن التطرق للكارثة الإنسانية في غزة، أعلن مؤخرًا عن إنشاء "مراكز لتوزيع الطعام"، ما اعتُبر اعترافًا غير مباشر بتفاقم المجاعة، وتلميحًا لاحتمال تدخل ميداني مباشر لتنظيم إيصال المساعدات، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية لتقاعس واشنطن في الضغط على إسرائيل لفتح الممرات الإنسانية بشكل فعلي.

أرقام مرعبة وواقع أكثر قسوة


بحسب وزارة الصحة في غزة، توفي 147 شخصًا بسبب الجوع، بينهم 89 طفلًا خلال الأسابيع الأخيرة فقط. أما برنامج الأغذية العالمي فأكد أن ثلث سكان القطاع لا يتناولون طعامًا لأيام متواصلة، وأن 470 ألف شخص يعيشون في ظروف "أشبه بالمجاعة"، في وقت تحتاج فيه غزة إلى أكثر من 62 ألف طن من المساعدات شهريًا لتأمين الحد الأدنى من الغذاء.

وقال توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: إن هناك إشارات إلى تخفيف مؤقت للقيود الإسرائيلية، مما سمح بتجميع أكثر من 100 شاحنة على المعابر. لكنه شدد على أن "ما يُقدم لا يقترب حتى من الحد الأدنى المطلوب لدرء المجاعة ومنع الانهيار الصحي".

موقف ثابت


من جانبه، يقول يرى المحلل السياسي المصري أحمد البحيري، أن الدور المصري في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة لا يقتصر على كونه نشاطًا إغاثيًا، بل يعكس استراتيجية سياسية واضحة ذات أبعاد إقليمية وإنسانية.

ويقول: "منذ اندلاع الحرب، تمسّكت القاهرة بموقف ثابت يقوم على ضرورة كسر الحصار الإنساني، وقد ترجمته ميدانيًا من خلال استمرار قوافل الإغاثة رغم التحديات اللوجستية والمعوقات الإسرائيلية المتكررة".

ويشير البحيري في حديثه لـ"العرب مباشر"، إلى أن مصر تُدير منفذ كرم أبو سالم بشراكة مع جهات دولية، وتحرص على تنسيق دقيق لضمان تدفق المساعدات في توقيتات متزامنة مع الهدن الإنسانية.

كما أنها تدخل على الخط السياسي بهدوء، من خلال الضغط غير المباشر على الأطراف الدولية لتفعيل المسارات الإنسانية، وخاصة في ظل استمرار تعنت تل أبيب في السماح بمرور بعض المواد الحيوية.

ويختم البحيري، بالقول: "حين تعلن إسرائيل تخفيفًا للقيود، غالبًا ما يكون ذلك نتيجة لضغوط متراكمة، مضيفًا، مصر تدرك أن الجوع في غزة لم يعد أزمة طارئة بل ورقة تفاوض خفية، ولذلك فإن استمرارها في ضخّ المساعدات يمثل تحديًا استراتيجيًا وسياسيًا في آنٍ معًا.