بين وعود الحرب وأوهام الهدنة.. سيناريوهات مفتوحة لمستقبل غزة
بين وعود الحرب وأوهام الهدنة.. سيناريوهات مفتوحة لمستقبل غزة

يقف المشهد الإسرائيلي عند مفترق طرق شديد التعقيد، بين تهديدات متصاعدة بشن هجوم واسع على مدينة غزة وبين العودة إلى طاولة المفاوضات بحثًا عن صفقة تبادل أسرى قد تُنهي واحدة من أطول الحروب في تاريخ المنطقة الحديث، بنيامين نتنياهو، الذي خبر دهاليز السياسة الإسرائيلية لعقود، يكرر نهجه التقليدي في اللعب على الحبال: يلوّح بقبضة عسكرية غليظة أمام خصومه، بينما يترك الباب مواربًا أمام الوسطاء، هذه الازدواجية تعكس مأزقًا داخليًا يواجهه إذ يقف تحت ضغط جناحه اليميني المتشدد الداعي للحسم العسكري، وفي المقابل يواجه نداءات عائلات الأسرى والرأي العام المطالب بإنهاء الحرب المستمرة منذ ما يقارب العامين، وسط هذا المشهد، يظهر العامل الأمريكي كرقم صعب في المعادلة، حيث يراقب الرئيس دونالد ترامب التطورات دون أن يفرض خطوطًا حمراء واضحة، تاركًا المجال لنتنياهو لإدارة الأزمة وفق حساباته الداخلية والخارجية، وبين الهجوم والمفاوضات، يظل مستقبل غزة والإقليم برمته معلقًا على خيط رفيع من التناقضات السياسية.
المراوغة كنهج سياسي
لم يكن إعلان نتنياهو الأخير عن استعداد حكومته لاجتياح غزة حدثًا استثنائيًا بقدر ما كان استمرارًا لأسلوبه المعروف في المراوغة، ففي خطاب قصير، وصف إسرائيل بأنها أمام "لحظة حاسمة"، مؤكدًا عزمه على السيطرة على غزة عسكريًا، لكنه عاد ليُؤكد في الوقت ذاته استئناف المفاوضات مع حماس حول صفقة الأسرى.
هذا التناقض ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لنهج اتبعه نتنياهو مرارًا، حيث يعتمد على رفع سقف التهديدات العسكرية لكسب أوراق ضغط، ثم العودة إلى المفاوضات بيدٍ أخرى.
مراقبون إسرائيليون يُؤكدون ليديعوت أحرونوت، أن هذه السياسة تحقق أهدافًا مزدوجة، تهدئة الداخل الإسرائيلي القلق من استمرار الحرب، وفي الوقت نفسه إرضاء شركاء اليمين الذين يطالبون بالحسم العسكري، إلا أن المعضلة تكمن في أن هذه الاستراتيجية قد تدفع المنطقة إلى سيناريوهات أكثر دموية.
استعدادات ميدانية
على الأرض، تتحرك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالفعل استعدادًا لأي عملية محتملة، فقد صادق المجلس الوزاري الأمني المصغر على خطة لاجتياح غزة، بينما أعلنت وزارة الدفاع استدعاء 60 ألف جندي احتياط، ورغم ذلك، يؤكد قادة عسكريون أن العملية قد تستغرق أسابيع قبل أن تبدأ، بسبب التعقيدات الميدانية الهائلة، فغزة، التي تضم نحو مليون نسمة، ما زالت تحتضن بقايا البنية العسكرية لحماس، بما في ذلك شبكة الأنفاق التي أعيد ترميم جزء منها خلال الأشهر الماضية.
الخطر الأكبر، كما يحذر ضباط في الجيش الإسرائيلي، يتمثل في مصير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في تلك الأنفاق.
فالهجوم قد يعرّض حياتهم للخطر، وهو ما يضع نتنياهو في مأزق أمام عائلاتهم التي تضغط بقوة من أجل التوصل إلى صفقة عاجلة.
معادلة الأسرى والهدنة
ملف الأسرى يظل المحرك الأساسي للمفاوضات، ففي السابق، رفض نتنياهو عروضًا تقضي بإطلاق جزئي للرهائن، متمسكًا بالإفراج عن جميع المحتجزين دفعة واحدة.
لكن حماس، التي وافقت حديثًا على مقترح وسطاء دوليين، لم تكشف تفاصيل ردها النهائي، ما يثير الشكوك حول نيتها إدخال تعديلات أو شروط جديدة.
مصادر دبلوماسية إقليمية ترى أن الطرفين يستخدمان ورقة التناقضات للمناورة، إسرائيل تُلوّح بالاجتياح، وحماس تعرض القبول المشروط بالهدنة، وفي النهاية يبقى مصير المدنيين رهينة لهذا التجاذب.
حسابات السياسة الداخلية
داخل إسرائيل، يعيش نتنياهو على حافة توازن هش. فشركاؤه من أقصى اليمين يطالبون بالسيطرة الكاملة على غزة، بينما يعارض جزء من المجتمع الإسرائيلي استمرار الحرب التي تستنزف الاقتصاد وتعمّق عزلة الدولة دوليًا. ورغم هذا التناقض، يملك نتنياهو أوراق قوة مهمة: دعم ترامب من جهة، واستعداد المعارضة بقيادة يائير لابيد لتوفير "شبكة أمان" برلمانية في حال التوصل إلى صفقة الأسرى.
كما لمّح بيني غانتس، وزير الدفاع السابق، إلى إمكانية العودة إلى الحكومة إذا كان ذلك سيؤدي إلى تحرير الرهائن، حتى وإن أدى انسحاب الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى تغيير شكل الائتلاف.
المستقبل المعلق
بين التهديد بالاجتياح والمفاوضات الهشة، يظل مستقبل غزة غامضًا. الاحتمالات المطروحة تتراوح بين عملية عسكرية واسعة، أو اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار، أو حتى الجمع بين الاثنين في آن واحد. وفي كل الحالات، يواصل نتنياهو اللعب على الحبال المتناقضة، في محاولة لتأمين بقائه السياسي، ولو على حساب المزيد من الدماء.
سيناريوهات مؤلمة
من جانبه يقول د. محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية: إن مستقبل غزة يقف أمام ثلاثة سيناريوهات كلها تحمل كلفة إنسانية باهظة.