بين الأجواء المغلقة وأجهزة التجسس.. هل ينفجر الصراع التركي–الإسرائيلي قريبًا؟

بين الأجواء المغلقة وأجهزة التجسس.. هل ينفجر الصراع التركي–الإسرائيلي قريبًا؟

بين الأجواء المغلقة وأجهزة التجسس.. هل ينفجر الصراع التركي–الإسرائيلي قريبًا؟
تركيا وإسرائيل

تتصاعد في الأفق مؤشرات مواجهة جديدة قد تعيد رسم خريطة التوازنات في الشرق الأوسط، وهذه المرة بين أنقرة وتل أبيب، فبعد سنوات من العلاقات المتذبذبة، انتقلت الخلافات بين الطرفين من الدبلوماسية المتوترة إلى مشهد أكثر خطورة يرتبط مباشرة بالميدان السوري، الخطوة التركية الأخيرة بإغلاق أجوائها أمام الطائرات الإسرائيلية لم تكن مجرد إجراء سياسي عابر، بل رسالة صريحة تحمل في طياتها استعدادًا للتصعيد، في وقت ترى فيه إسرائيل أن تحركات تركيا باتت تتجاوز الخطوط الحمراء، المشهد يزداد تعقيدًا مع دخول وكلاء إقليميين على خط المواجهة، وتنامي الحديث عن أجهزة تجسس تركية داخل الأراضي السورية، ما يرفع سقف الاحتمالات نحو صراع مفتوح، وبينما تحاول أطراف مثل أذربيجان لعب دور الوسيط غير المعلن، تبقى الحقيقة أن أي شرارة صغيرة قد تفجر مواجهة غير مسبوقة بين جيشين يُعدّان من الأضخم والأكثر تجهيزًا في المنطقة.

جيش لا يشبه "خصوم إسرائيل التقليديين"


لم يكن الحديث عن احتمال مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل يومًا من قبيل المبالغات الصحفية، غير أن التطورات الأخيرة على الساحة السورية أعادت هذا السيناريو إلى الواجهة بقوة، وسط تحذيرات إسرائيلية صريحة من أن الصراع مع أنقرة سيختلف جذريًا عن أي معركة تخوضها تل أبيب حاليًا ضد فصائل أو تنظيمات غير نظامية.

يرى اللواء احتياط عيران ليرمان، أن الفارق الجوهري بين الصراع مع تركيا وأي مواجهة أخرى يكمن في طبيعة الخصم، فتركيا تمتلك أحد أكبر الجيوش في حلف شمال الأطلسي، مدعومًا بأسطول من المقاتلات المتطورة وقوات برية ضخمة، وفقًا لصحيفة "معاريف" العبرية.

في المقابل، تعتمد إسرائيل بشكل رئيسي على تفوقها الجوي والاستخباراتي، لكن هذا التفوق قد لا يكون كافيًا لمعادلة قوة جيش نظامي بحجم الجيش التركي، خاصة إذا توسع الصراع إلى أكثر من ساحة عمليات.

ويضيف ليرمان لصحيفة "معاريف" العبرية، أن مجرد التفكير في مواجهة مفتوحة مع تركيا يفرض على إسرائيل إعادة حساباتها العسكرية والاقتصادية، لأن النتائج لن تكون مشابهة للحروب المحدودة في غزة أو لبنان.

سوريا.. مسرح الصراع المحتمل


تعتبر الساحة السورية الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للاشتعال، إذ تحتضن شبكة معقدة من التحالفات والخصومات، تركيا، التي دعمت فصائل معارضة لنظام الأسد على مدى سنوات، ما تزال تملك نفوذًا واسعًا في شمال سوريا، فيما ترى إسرائيل أن تدخلها العسكري هناك يهدف إلى كبح التمدد الإيراني ومنع نقل الأسلحة إلى "حزب الله".

لكن الجديد هذه المرة، وفق ما كشفه الباحث كوهين يانروجاك من مركز ديان بجامعة تل أبيب، هو دخول عامل "التجسس".

فقد أشارت تقارير إسرائيلية إلى وصول أجهزة تجسس تركية متطورة إلى أيدي القوات السورية، وهو ما اعتبرته تل أبيب خطوة استراتيجية مقصودة لتبرير إجراءات لاحقة، مثل إغلاق الأجواء أمام الطائرات الإسرائيلية.

لا يتوقف التصعيد عند حدود المعارك أو الساحات الاستخباراتية. فالإجراء التركي الأخير بإغلاق المجال الجوي شكّل ضربة اقتصادية مباشرة لإسرائيل، إذ أدى إلى إطالة زمن الرحلات الجوية نحو روسيا وجورجيا وأذربيجان. 

صحيح أن أنقرة أيضًا خسرت استخدام الأجواء الإسرائيلية، لكن التأثير الاستراتيجي الأكبر وقع على تل أبيب التي تخشى من أن يتحول الإجراء إلى مقدمة لعزلة أوسع في المنطقة.

ويرى مراقبون، أن هذه الخطوة تكشف عن رغبة أنقرة في استخدام الأدوات الاقتصادية والسياسية جنبًا إلى جنب مع النفوذ العسكري، ما يجعل الصراع متعدد الأبعاد وليس مجرد مواجهة تقليدية.

وساطة أذربيجان ومحاولات التهدئة


في خضم هذه التطورات، دخلت أذربيجان على خط الأزمة كمحاولة لملء فراغ الوساطة، الرئيس إلهام علييف طرح خلال لقاءاته مع مسؤولين أتراك إمكانية لعب دور جسر تواصل غير معلن بين أنقرة وتل أبيب، وبحسب ما نقلته صحيفة "معاريف"، فإن باكو ترى أن استمرار التوتر قد يقوّض استقرار الإقليم، خاصة في ظل ملفات شائكة مثل اعتراف إسرائيل بالإبادة الجماعية للأرمن وأزمتها المستمرة مع موسكو.

لكن خبراء يشيرون إلى أن الوساطات في مثل هذه الأزمات غالبًا ما تبقى محدودة التأثير إذا لم تقترن بضغوط أميركية أو أوروبية، وهو ما يجعل احتمالات نجاحها موضع شك كبير.

 

سيناريوهات المستقبل


من جانبه، يقول د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية: إن في حالة استمرار التصعيد فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا قد يكون مواجهة غير مباشرة تعتمد على وكلاء محليين في سوريا، حيث تستطيع تركيا تحريك فصائل مسلحة موالية لها لمضايقة المصالح الإسرائيلية، أما المواجهة المباشرة بين الجيشين، فهي احتمال قائم لكنه مكلف جدًا للطرفين، ما قد يدفعهما إلى تجنبها قدر الإمكان.

وأضاف المنجي -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، إن الديناميات الإقليمية المتغيرة، خصوصًا مع انشغال الولايات المتحدة بملفات دولية أخرى، قد تجعل ضبط هذا الصراع أكثر صعوبة، مضيفًا، أن كل خطوة غير محسوبة، مثل إسقاط طائرة أو استهداف قاعدة عسكرية، قد تتحول إلى شرارة لحرب شاملة، وهو ما يجعل المنطقة على فوهة بركان لا يعرف أحد متى سينفجر.

في السياق ذاته، يرى د. طارق فهمي، أن الأزمة الراهنة بين تركيا وإسرائيل تتجاوز الطابع الثنائي لتشكل جزءًا من إعادة ترتيب موازين القوى في الإقليم، فتركيا، بحسب تحليله، تسعى لتأكيد حضورها كقوة إقليمية قادرة على تحدي إسرائيل في أكثر من ساحة، وفي مقدمتها سوريا، التي تمثل مسرحًا متشابكًا بين المصالح التركية والإسرائيلية والإيرانية والروسية في آن واحد.

ويشير فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، إلى أن خطوة إغلاق الأجواء لم تكن مجرد رد فعل انفعالي من أنقرة، بل تعكس استراتيجية تركية متكاملة لإرسال رسائل مزدوجة، أولها لإسرائيل بأنها لم تعد الطرف الوحيد القادر على فرض قواعد اللعبة، وثانيها لحلفائها الغربيين بأنها مستعدة للمجازفة من أجل حماية مصالحها.

ويضيف: أن إسرائيل، على الرغم من تفوقها العسكري النوعي، تدرك أن مواجهة مباشرة مع تركيا ستضعها في موقف استراتيجي بالغ التعقيد، نظرًا لارتباط أنقرة بعضوية الناتو وتوظيفها شبكة واسعة من التحالفات. 

لذلك، فإن المرحلة المقبلة مرشحة لتشهد سلسلة من الضغوط المتبادلة والحروب غير المعلنة، أكثر منها مواجهة تقليدية شاملة.