الكاظمي... الفوضى و«النابليون»

نفت مصادر مقربة من رئيس الحكومة العراقية الكاظمي نيته خوض الإنتخابات المقبلة

الكاظمي... الفوضى و«النابليون»
مصطفي فحص

في إعلان نُسب إلى مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نفى فيه نيته خوض الانتخابات التشريعية المقبلة، أوضح المصدر أن «الحكومة الحالية نتاج لأزمة اجتماعية وهي ليست منافساً انتخابياً، وأن رئيس الوزراء سيكون أميناً دائماً على مطالب الشعب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة تعيد الأمور إلى نصابها بما يستحقه شعبنا وبما يرضاه». وبناء عليه، فإن ما ورد في كلام المصدر يحتاج إلى تفكيك دقيق؛ إذ يقول الناقل المُطلع: إن هذه الحكومة جاءت نتيجة لأزمة اجتماعية، وعلى الأرجح أن هذه الأزمة لم تُعالَج ولم تُوضع أصلاً على سكة الحل، بل إن قرار الكاظمي بعدم المشاركة شخصياً أو عبر دعم كيان سياسي أو شبابي سيُعيد الأزمة إلى بداياتها، لأن عدم مشاركة المجموعات المنظمة التي برزت ككيانات سياسية بعد الانتفاضة واستبعادها من الحياة السياسية سيُعقّد الأوضاع، ولن يساعد على عودة الأمور إلى نصابها، كما قال المصدر المُقرب.


بعيداً عن التفسيرات المحلية والخارجية لعزوف الكاظمي الانتخابي، وبعض التأويلات بأنه تعرض لضغوط من القوى السياسية، وأن أطرافاً طالبته بالالتزام بما تعهد به يوم تكليفه وفقاً لادعاءاتها، الآن هذا الابتعاد أو الاستبعاد، سيعيد رفع مستوى القلق على مستقبل الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في الأشهر المقبلة، ليس لأن الكاظمي وحكومته كانا من أبرز عوامل الاستقرار ولو نسبياً، وليس لأن حضور الكاظمي الانتخابي كان سيفرض تنوع التمثيل، بل لأن صراع النفوذ بين القوى السياسية، خصوصاً المسلحة، سيُفتح على مصراعيه قبل الانتخابات، إذا أجريت في وقتها المحدد، أو بعد إعلان النتائج، إضافة إلى أن إعادة إنتاج تسوية 2018 السياسية ومحاولة الانقلاب على انتفاضة تشرين ستؤديان إلى مواجهة حتمية بين هذه القوى المسلحة والموجة الثانية من الانتفاضة التي ستكون أكثر قسوة وأشد عنفاً.


خبراء الانتخابات العراقية يحجزون دائماً ما بين 20 و25 مقعداً لرئيس الوزراء الذي يشرف على الانتخابات، وهذا الرقم يتزايد وفقاً لتحالفاته وتسيّل إنجازاته انتخابياً والاستفادة من موقعه التنفيذي، ومع ابتعاد الكاظمي باتت القوى السياسية تتنافس على ما يمكن تسميته حصة رئيس الوزراء، هذه المنافسة ستزيد عوامل تصادمها، فالطرف المسلح الذي كان ممسوكاً ولم يكن متماسكاً، يعاني الآن من عدم تماسك من كان يقوم بإمساكه، وهذا ما سيشكل خطراً على العملية الانتخابية وقد يدفع إلى تأجيلها، وهذا احتمال جدي ولكن مخاطره كبيرة، والأشد خطورة هو موقفها من نتائج الانتخابات، ما قد يرجح احتمال الانزلاق إلى مواجهة وفوضى.


وتجنباً للفوضى، ليس مستبعداً أن تضغط قوى إقليمية نافذة من أجل احتواء تداعيات التنافس بين القوى السياسية المسلحة، ومن الممكن أن ينجح توافق إقليمي ودولي يسمح للمنظومة السياسية بإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وقطع الطريق على احتمالية إعادة تسمية الكاظمي من جديد كحل وسط هذه المرة، أو السماح بتسمية شخصية جديدة تستكمل ما بدأ لحظة قرار تكليف الكاظمي. لكن ما قد لا يكون في حسبانها موقف الشارع الذي قد يلجأ إلى المواجهة من أجل إفشال مشروعها.


وعليه إذا لم تنجح الحكومة في إجراء انتخابات نزيهة وحرة، فإن ردة الفعل السياسية والشعبية ستتشكل في الشارع، احتمالها الأول ما بين التشرينيين والسلطة، أما الاحتمال الثاني فهو داخل معسكر قوى السلطة المسلحة التي ستدخل في معركة تصفية حسابات، ستؤدي إلى الانزلاق نحو عنف أهلي أو حرب أهلية ستكون هذه المرة نهاية نظام 2003 وتبعاته. لكن حجم العنف سيؤدي إلى فوضى عارمة أشبه بتلك التي جرت بداية الثورة الفرنسية، وكما أُفسح المجال أمام ضابط مغمور قادم من كورسيكا بالتحرك لحماية الدولة والحكومة في باريس، فإن «بونابرت» عراقياً قد يحظى في لحظة عنف وفوضى بتأييد شعبي وغطاء ما للتحرك لإنهاء فوضى قاتلة.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط