غفوة دامت عقودًا.. كيف تسللت جماعة الإخوان إلى قلب فرنسا؟

غفوة دامت عقودًا.. كيف تسللت جماعة الإخوان إلى قلب فرنسا؟

غفوة دامت عقودًا.. كيف تسللت جماعة الإخوان إلى قلب فرنسا؟
جماعة الإخوان

بعد سنوات من التجاهل والصمت، قررت باريس كسر جدار الحذر وفتح ملف جماعة الإخوان المسلمين بوجه مكشوف، لم يعد الأمر مقتصرًا على همسات داخل الأوساط السياسية أو تقارير أمنية مغلقة، بل تحولت المواجهة إلى حرب معلنة، تخوضها فرنسا دفاعًا عن "قيم الجمهورية" التي ترى أنها باتت مهددة من الداخل، في هذا المشهد.
 لم تكن المفاجأة فقط في توقيت التحرك، بل في حجم الاختراق الذي كشفت عنه التقارير، ما دفع الدولة الفرنسية إلى تصعيد لهجتها ضد الجماعة التي تُوصف اليوم بأنها "الخصم الأيديولوجي الأخطر"، واللافت أن الحملة لا تتوقف عند الإجراءات الأمنية أو المالية، بل تشمل أيضًا مراجعة للمنظومة التعليمية، في محاولة لسحب البساط الثقافي من تحت أقدام التنظيم. 

ومع هذا التحول اللافت، تبرز أسئلة أكثر عمقًا، لماذا تأخرت فرنسا في إدراك الخطر، وهل يكفي هذا التحرك لتفكيك نفوذ جماعة أمضت عقودًا وهي تُراكم أوراقها في الظل؟

الاختراق الأيديولوجي
في خطوة تُوصف بأنها "متأخرة لكن ضرورية"، بدأت فرنسا حملة رسمية وإعلامية واسعة النطاق تستهدف جماعة الإخوان المسلمين، وسط إدراك متنامٍ لخطورة ما تسميه باريس "الاختراق الأيديولوجي الصامت" للجماعة في مفاصل المجتمع الفرنسي.

ورغم أن السلطات الفرنسية لطالما تعاملت مع الظاهرة بقدر من التساهل أو التردد، فإن الأشهر الأخيرة شهدت تحولًا واضحًا نحو المواجهة، انطلقت من قصر الإليزيه نفسه، حيث كلف الرئيس إيمانويل ماكرون حكومته باتخاذ إجراءات حازمة ضد ما اعتبره "تهديدًا مباشرًا للجمهورية".

المجلة الفرنسية اليمينية المحافظة "كوزر"، سلطت الضوء على هذا التحول اللافت، معتبرة أن الدولة الفرنسية "أزالت القناع" أخيرًا عن وجه الإخوان، بعد أن كشفت تقارير استخباراتية عن تزايد نفوذ الجماعة في الأحياء الشعبية، ومؤسسات المجتمع المدني، بل وحتى داخل بعض المراكز التعليمية.

المجلة دعت إلى حظر شامل للتنظيم، معتبرة أن الجمعيات التي نشطت تحت لافتات ثقافية أو دينية كانت في واقع الأمر مجرد أدوات لإعادة إنتاج خطاب الجماعة وتجنيد أجيال جديدة على منهجها.

حظر الجماعة
ووفقًا لمصادر أمنية فرنسية، فإن تقريرًا استخباراتيًا بعنوان: "الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا" كشف أن الجماعة نجحت في فرض حضورها داخل الأوساط العربية والمسلمة، مستفيدة من تغلغلها في الجمعيات والمراكز الإسلامية، وغياب الرقابة الفعالة. التقرير أوصى بإعادة النظر في آليات الرقابة والتشريعات، كما اقترح حظر الجماعة وتجفيف منابع تمويلها المحلي والخارجي.

اللغة العربية.. أبرز أسلحة الجماعة


ومن المقترحات المثيرة للجدل، ما تضمنه التقرير بشأن تعليم اللغة العربية في المدارس الحكومية، ليس من منطلق ثقافي فحسب، بل كوسيلة استراتيجية لانتزاع هذا الملف من قبضة الجماعة التي احتكرته لعقود، وجعلت منه وسيلة فعالة لبث الأفكار العقائدية وتجنيد الأطفال والشباب.

 إلا أن الحكومة أبدت ترددًا حيال هذا الطرح، مفضلة تركيز الجهود على تعزيز تعليم اللغة الفرنسية، رغم الاعتراف بأن العربية هي ثاني أكثر اللغات انتشارًا في البلاد.

من جهته، حذر "معهد مونتين" منذ عام 2018 من استخدام تعليم اللغة كأداة عقائدية، داعيًا إلى دمجها ضمن النظام التعليمي الرسمي، بما يضمن فصلها عن أية أجندات أيديولوجية.

لكن تقاعس الحكومات المتعاقبة، وفق محللين، سمح للجماعة بتعزيز مواقعها داخل النسيج المجتمعي، متسترة بالديمقراطية ومستخدمة أدوات المجتمع المدني كجسور للنفوذ والتمدد.

الآن، يبدو أن باريس قد قررت قطع هذه الجسور، وزير الداخلية برونو ريتايو صرح علنًا بأن الجماعة تمثل "خطرًا استراتيجيًا"، متهمًا إياها بالسعي إلى "تفكيك المجتمع الفرنسي من الداخل"، وموضحًا أن الحكومة تعمل على تجميد أصولها المالية، ومنع التمويل الأجنبي، ومراجعة ملفات الجمعيات المشبوهة.

وتأتي هذه التطورات في ظل شعور متزايد داخل النخب الفرنسية بوجود "حرب أيديولوجية ناعمة"، تستخدم فيها الجماعة خطاب الضحية تارة، والمظلومية الثقافية تارة أخرى، لتبرير وجودها وتوسيع قواعدها.

ورغم تأخر التحرك الفرنسي، يرى مراقبون أن المعركة مع الإخوان قد تكون طويلة ومعقدة، نظرًا لتجذرهم داخل بعض المكونات الاجتماعية، واعتمادهم على خطاب مزدوج يختلف بين الداخل والخارج.

إلا أن ما بات مؤكدًا هو أن "الحياد الفرنسي" الذي منح الجماعة سنوات من التمدد قد انتهى، وبدأت مرحلة جديدة عنوانها: "لا تسامح مع التهديدات المقنعة".