خطة إسرائيلية مثيرة للجدل.. خصخصة توزيع المساعدات بغزة بمساعدة شركات أمن أميركية

خطة إسرائيلية مثيرة للجدل.. خصخصة توزيع المساعدات بغزة بمساعدة شركات أمن أميركية

خطة إسرائيلية مثيرة للجدل.. خصخصة توزيع المساعدات بغزة بمساعدة شركات أمن أميركية
ترامب

تخطط إسرائيل لفرض سيطرة كاملة ومشددة على عملية توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة، مستخدمة في ذلك شركات أمنية أمريكية خاصة، كشرط أساسي لرفع الحصار الذي تفرضه منذ أكثر من شهرين على دخول الإمدادات إلى القطاع، بحسب ما أفاد به مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون، وعاملون في المجال الإنساني، ومصادر أخرى مطلعة على تفاصيل الخطة.

وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أنه من المتوقع أن تُستكمل تفاصيل هذه الخطة في اجتماع المجلس الأمني المصغر للحكومة الإسرائيلية يوم الأحد. 

وتحظى هذه الخطة بدعم واسع من الحكومة والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ومن المرتقب أن تدخل حيز التنفيذ قبل نهاية الشهر الجاري، وربما مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة منتصف مايو الجاري.

ويُشار أن ترامب، الذي تعهد بإيجاد حل سريع للأزمة في غزة، بات يشعر بإحباط متزايد بسبب استمرار الحرب، وتأثيرها السلبي على أهدافه الإقليمية الأوسع نطاقًا.

رفض أممي وتحذيرات منظمات الإغاثة


وقد واجهت هذه الخطة رفضًا قاطعًا من الأمم المتحدة وعشرات المنظمات الإنسانية الدولية التي اعتبرت أنها تتعارض مع المبادئ الإنسانية، كما أنها غير قابلة للتطبيق من الناحية اللوجستية، بل وقد تشكّل خطرًا مباشرًا على المدنيين الفلسطينيين والعاملين في مجال الإغاثة.

ويتعلق الأمر بحياة نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة، المتوقع أن يواجهوا نقصًا حادًا في الغذاء خلال الأسابيع المقبلة في ظل تصاعد الهجمات العسكرية الإسرائيلية.

ورفضت قوات الجيش الإسرائيلي التعليق على تفاصيل الخطة، وأحالت الاستفسارات إلى "المستوى السياسي"، بينما امتنعت رئاسة الحكومة عن إصدار أي تصريح.

نقاط التوزيع تحت حماية أمريكية


وبحسب مصادر مطلعة على الخطة، فإن إسرائيل ستسمح بدخول نحو 60 شاحنة يوميًا محملة بالمواد الغذائية الأساسية ولوازم منزلية إلى القطاع، وهو ما يمثل عُشر الكمية التي كانت تدخل خلال فترة وقف إطلاق النار التي استمرت ستة أسابيع وانتهت في أوائل مارس الماضي. وستخضع هذه الشاحنات لتفتيش من قبل الجيش الإسرائيلي في معبر كرم أبو سالم (كرم شالوم) جنوب غزة.

وبعد دخول الشاحنات، ستتوجه إلى "مراكز توزيع" حددتها إسرائيل في جنوب القطاع، وستكون محمية من قبل شركات أمنية أمريكية خاصة، تتولى أيضًا تأمين محيط هذه المراكز. 
أما التوزيع الفعلي للمساعدات والتعامل مع السكان فسيقوم به عمال إغاثة تابعون لمنظمات غير حكومية.

وفي المرحلة الأولى، سيُقتصر توزيع المساعدات على ست نقاط فقط، تخدم الشريط الجنوبي المكتظ بالسكان والذي دُمر بشكل واسع خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من 18 شهرًا. وإذا أثبتت هذه الآلية فعاليتها، فقد توسّع لاحقًا لتشمل مناطق شمال ووسط القطاع.

ووفقًا لأحد العاملين الدوليين في المجال الإنساني، فإن كل نقطة توزيع ستخدم ما بين 5,000 إلى 6,000 أسرة، على أن يحصل كل ممثل أسرة على طرد غذائي وصحي يزن نحو 20 كيلوغرامًا كل أسبوعين. 
فيما أشار مصدر آخر أن عملية الاستلام قد تتم أسبوعيًا.
وتشمل الخطة استخدام تقنية التعرف على الوجه لتحديد هوية المستفيدين من المساعدات.

تحذيرات من تفجر العنف حول مراكز التوزيع


وحذر العديد من الأشخاص المطلعين على الخطة من أن الفجوة بين كمية المساعدات المتوفرة والحاجة الفعلية قد تؤدي إلى أعمال عنف في محيط مراكز التوزيع.

ومن المقرر أن يُموَّل تشغيل شركات الأمن الخاصة من خلال مؤسسة إنسانية جديدة مسجلة في سويسرا تُدعى "مؤسسة غزة الإنسانية"، والتي نتجت عن مشاورات بين حكومات وجهات إنسانية دولية، تسعى لتقديم المساعدة دون أن تستفيد منها حركة حماس. ورفضت المصادر الكشف عن تفاصيل الجهات التي تمول المؤسسة أو نطاق أنشطتها.

وتتهم إسرائيل حركة حماس بأنها استحوذت خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية على مئات ملايين الدولارات من المساعدات الموجهة للمدنيين. غير أن منظمات الإغاثة وبعض المسؤولين الأمريكيين شككوا في هذه المزاعم، مشيرين أن إسرائيل لم تقدم أدلة ملموسة على هذا النهب الواسع النطاق.

خلافات قانونية وتحفظات دولية


أكدت منظمات حقوقية وحكومات، من بينها بعض من أقرب الحلفاء الأوروبيين لإسرائيل، أن على إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، التزامًا قانونيًا بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة.

لكن إسرائيل ترى أن بقايا المساعدات التي دخلت خلال الهدنة كافية حتى الآن لتلبية احتياجات السكان، وتعتبر أن القانون الدولي لا يلزمها بتقديم المساعدة إذا كان ذلك يصب في مصلحة "العدو".

وفي مشهد يعكس تطرف بعض المسؤولين، دعا نواب من اليمين الإسرائيلي المتشدد بشكل صريح إلى "تجويع" سكان غزة. وقال النائب موشي سعده من حزب الليكود: "نعم، سأجوع الغزيين، هذا واجبنا".


اعتراض داخل المؤسسة العسكرية


كانت النسخة الأولية من الخطة قد طُرحت على المنظمات الإنسانية في فبراير ومارس الماضيين، لكنها تعثرت بسبب اعتراضات الأمم المتحدة ونقاشات داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي حول دور الجيش.

وضغط أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة من أجل أن يتولى الجيش نفسه توزيع المساعدات، بهدف فرض إدارة مدنية أو عسكرية في غزة، وفق ما أشار إليه ميخائيل ميلشتاين، المستشار السابق للشؤون الفلسطينية في الجيش.

لكن رئيس أركان الجيش، اللواء إيال زامير، رفض هذه المقترحات في جلسة لمجلس الوزراء الشهر الماضي، مؤكدًا أن الجيش غير مستعد ولا راغب في تولي مسؤولية توزيع المساعدات، بسبب المخاوف من التورط المفرط وتآكل قدراته في ظل الضغط القائم.

شركات الأمن الأمريكية وتفاصيل التعاقد


تولت شركتان أمريكيتان، هما Safe Reach Solutions (SRS) وUG Solutions، تنظيم العمليات اللوجستية وتوزيع المساعدات. وخلال الهدنة، أنشأت الشركتان نقطة تفتيش على طريق رئيسي يربط شمال وجنوب غزة.

يرأس شركة SRS، المسؤولة عن التخطيط، فيل رايلي، وهو مسؤول استخبارات سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. بينما يرأس UG Solutions جيمسون جوفوني، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة الأمريكية خدم في العراق وأفغانستان.

ومن المقرر أن يكون عناصر الأمن مسلحين ولديهم آليات حماية ذاتية، دون أن يمتلكوا صلاحيات احتجاز أو اعتقال. ورفض متحدثون باسم الشركتين التعليق.

دور ترامب والضغوط الأمريكية


تشير مصادر من المنطقة، من ضمنها مسؤولون إسرائيليون، أن الدعم السياسي والمادي الأمريكي شكل ركيزة لتمكين إسرائيل من خوض الحرب، مما يجعل من ترامب الزعيم الأجنبي الوحيد القادر فعليًا على التأثير في قراراتها.

ورغم منحه إسرائيل حرية واسعة في غزة منذ انهيار الهدنة، إلا أن ترامب عبّر مؤخرًا عن استيائه، وصرّح أواخر أبريل بأنه طالب نتنياهو خلال مكالمة هاتفية باستئناف تقديم المساعدات للمدنيين في غزة.

وقال ترامب حينها: "سنهتم بهذا الأمر. الحاجة للغذاء والدواء كبيرة جدًا، وسنتولى معالجتها".