"كورونا" يَفتِك بالعراقيين وغياب الدعم الدولي يفاقم معاناتهم

صورة أرشيفية

استمرارًا لمسلسل معاناة العراق، فمنذ الاحتلال الأميركي، يتوقف مسلسل معاناة أهل العراق، في ظل بنية تحتية مدمرة، وميليشيات مسلحة تابعة لإيران، وأخرى تابعة لتنظيمات إرهابية، وقتال لا يتوقف، ليأتي تفشي فيروس "كورونا" ليزيد الطين بلةً، فالقطاع الصحي في العراق متداعٍ ولا يستطيع الصمود أمام انتشار الفيروس بشكل وبائي، خاصة مع تفشيه بشكل هائل في إيران وهي الدولة الأشد تضررًا من الفيروس في الشرق الأوسط حتى الآن، مع وجود حدود سهلة الاختراق بينهما، المستشفيات العراقية دائمًا تكتظ بالجرحى من جنود ومدنيين على مدار العقد الماضي، فلا يوجد أماكن لاستيعاب مرضى فيروس كورونا، وهو الفيروس الذي انهارت أمامه أفضل الأنظمة الصحية في العالم خلال أيام.
 

العدد يقترب من الألف مصاب عراقي 


حذر خبراء، من انتشار فيروس كورونا في العراق حيث يكتظ التقويم الديني العراقي بمناسبات الزيارات الدينية السنوية، التي تشهد بعضا من أكبر التجمعات الجماهيرية على وجه الأرض، إذ تجتذب عادة ملايين الزوار، ومنذ العام الماضي، تشهد المدن الرئيسية في العراق مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة سقط فيها مئات القتلى.


وأصاب الشلل مؤسسات الدولة بفعل حالة من الجمود السياسي، تكونت بعد استقالة الحكومة وفشل السياسيين في تشكيل حكومة جديدة، وسجل العراق حتى الآن أكثر من 878 حالة إصابة بفيروس "كورونا" المستجد، و56 حالة وفاة.


لكن الأطباء قلقون من أن تكون هذه الأرقام مجرد قشرة تخفي وباء ربما يتفشى بالفعل دون أن يتم اكتشافه في جميع المدن المزدحمة.


الطبيب العراقي "حيدر حنتوش" مدير الصحة العامة في محافظة ذي قار بجنوب العراق، أكد أن هناك حالات غير مسجلة كثيرة، مضيفًا، الناس لا يخضعون للاختبار ولا يأخذون الأمر على محمل الجد.


وتحمل مكبرات الصوت فوق المآذن في بغداد توجيهات الحكومة اليومية إلى الناس، وتحثهم على البقاء في المنازل وإجراء الاختبار إذا ساورتهم الشكوك في الإصابة بالمرض، وفُرض حظر للتجول حتى 11 إبريل، وأُغلقت الحدود وتوقفت الرحلات الجوية الدولية.


ويرى مراقبون أن الأزمة الحقيقية تتمثل في أن الشعب العراقي لا يثق كثيرًا في السلطات، فلا يأخذ تحذيراتهم على محمل الجد، وشارك آلاف العراقيين في أحدث زيارة دينية كبيرة بالعراق، لمرقد شيعي في بغداد، واحتشدوا في تحد لحظر التجوال.

 

الوعي غائب ورجال العشائر يرفضون عزل نسائهم رغم إصابتهن

من جانبه، يقول سمعان داود، طبيب عراقي، (44 عاما): الوضع في العراق غاية في الخطورة، البنية التحتية منهارة في الأصل، وعندما نرى انهيار الأنظمة الصحية في العالم المتطور الذي يسبقنا بألف ضعف، نشعر بالرعب، فيروس كهذا سيتسبب في ملايين الوفيات في العراق إذا لم يتم التعامل معه بالشكل المثالي ودون أخطاء.


وتابع، الوعي غائب تمامًا، والمواطنون لا يثقون في الحكومة، مضيفًا، على سبيل المثال بعض العشائر ترفض السماح بعزل النساء اللائي تظهر عليهن أعراض الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ، فحتى بعد تأكيد التحاليل إيجابية إصابتهن،  لأنهم – رجال العشائر -  لا يريدون أن تبقى نساؤهم بمفردهن في المستشفيات، لأن هذا ضد تقاليدهم وعاداتهم، وبالتالي يعرضون أنفسهم وأبناءهم وكبار السن فيهم لخطر الموت فلا يوجد نظام صحي حول العالم يستطيع الصمود أمام تلك العادات والتقاليد السيئة.
 
كورونا أخطر على العراق من ميليشيات  إيران

في السياق ذاته، يؤكد دكتور هاشم الجابر، (33 عامًا): لا نعرف كيف نتعامل مع غياب الوعي فنحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ونطلب من الزوار الذين قاموا بزيارة الأماكن الدينية أن يعزلوا أنفسهم لمدة أسبوعين للتأكد من عدم إصابتهم أو حتى ظهور الأعراض على أحدهم.
وأضاف، الفيروس بدأ الانتشار بين الطواقم الطبية، وهذا ينذر بكارثة غير مسبوقة حيث يضطر معظم أطباء العراق للعمل في أكثر من مستشفى خاص بجانب عملهم في المستشفيات الحكومية لتغطية العجز في عدد الأطباء، فمن يصاب منهم يمكن أن يلوث  أكثر من 3 مستشفيات على الأقل ونقل العدوى لزملائه وللتمريض والمرضى، وإذا قمنا بحساب أعداد التمريض والزملاء الذين يذهبون لمستشفيات أخرى بالإضافة إلى المرضى وذويهم نجد أن الانتشار سيصبح كارثة مدوية خلال الثلاثة أسابيع القادمة.


وتابع، المواطنون العراقيون لا يبالون بتحذيراتنا، ويعتقدون أنهم شاهدوا كل الويلات خلال السنوات الماضية على يد قوات الاحتلال الأميركي وميلشيات إيران الإرهابية، رغم تأكيداتنا أن الفيروس أخطر عدو دخل العراق على مر تاريخه الطويل، ويحتاج لتكاتف الجميع لمحاربته.
 
غياب الدعم الدولي

دكتور رائد العزاوي، خبير سياسي عراقي، أكد أن تفشي فيروس كورونا في العراق وصل لأرقام قياسية واقترب بشدة من الألف مصاب، مضيفًا أن العراق يعاني من أزمة إنسانية حقيقية فالقطاع الصحي في العراق يعاني من ضعف التمويلات المخصصة لوزارة الصحة، وكذلك نقص هائل في المعدات والأجهزة الطبية وخصوصًا أجهزة التنفس الصناعي، وكذلك أجهزة الرعاية المركزة.


وتابع العزاوي لـ"العرب مباشر": صحيح أن الأعداد لم تصل بعد إلى المراحل الخطرة ولكن الحقيقة أن أزمة عدم توافر الأجهزة تزيد الخوف من تفشي الوباء بشكل يصعب السيطرة عليه، موضحًا أن مبادرات الشعب العراقي حتى الآن على قدر الحدث فهناك التكافل الاجتماعي الذي لعب دورًا مهمًا جدًا في محافظات الشمال والغرب والوسط العراقي.


وأوضح أن الأزمة الحقيقية في محافظات الجنوب الفقيرة التي تعاني بسبب حظر التجوال حيث فقد عشرات الآلاف من العراقيين وظائفهم، والغالبية العظمي منهم لا يعملون في الحكومة العراقية وليس لهم دخل ثابت، فحظر التجوال مفروض منذ شهر تقريبًا ومستمر لشهر آخر، ولم تبادر حكومة تسيير الأعمال بأي دور حتى الآن ولم تعلن تكفلها بعدد من الأسر، فكل المبادرات هي مبادرات فردية وشخصية لا تتفق مع حجم الكارثة التي يعاني منها العراق والعالم.


وأضاف العزاوي، العراق يحتاج لدعم دولي بالطبع، فلا توجد دولة قادرة على التصدي وحدها لتفشي فيروس كورونا، وجميعنا رأينا دولًا مستقرة اقتصاديًا وسياسيًا وتملك أنظمة صحية على أعلى مستوى وهي عاجزة عن الصمود في وجه الفيروس القاتل.


وأشار إلى أن العراق تلقى دعمًا عربيًا جيدًا حتى الآن من دول الخليج وجمهورية مصر العربية، ولكن الوضع يحتاج تدخلا دوليا ومساعدة دولية خاصة مع تضاعف عدد المصابين في دول الجوار للعراق سواء إيران أو تركيا اللتين أصبحتا بؤرتين لنشر الفيروس في الشرق الأوسط بالكامل.