تحالف العطاء.. كيف قادت الإمارات والأردن الإسقاط الجوي الأكبر لغزة؟

تحالف العطاء.. كيف قادت الإمارات والأردن الإسقاط الجوي الأكبر لغزة؟

تحالف العطاء.. كيف قادت الإمارات والأردن الإسقاط الجوي الأكبر لغزة؟
إنزال المساعدات

في وقت تتزايد فيه حدة المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، وسط حصار خانق ونقص حاد في المواد الأساسية، تتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية الصفوف لقيادة واحدة من أكثر عمليات الإغاثة الجوية تنسيقًا في المنطقة، من سماء غزة التي باتت مسرحًا للخراب، تهبط مظلات المساعدات محملة بالأمل والغذاء والدواء، في عملية إسقاط جوي تجسّد شراكة إنسانية غير مسبوقة، وتفتح نافذة نجاة لآلاف المحاصرين، هذه المبادرة ليست مجرد دعم إغاثي، بل انعكاس لتحالف إقليمي يسعى للتخفيف من حدة الكارثة المتفاقمة، وسط تردد دولي وعجز مؤسساتي واضح.

تنسيق مستمر


تتسارع التحركات الإنسانية في المنطقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح المدنيين في قطاع غزة، مع استمرار الحصار وغياب ممرات إنسانية آمنة، وسط هذا المشهد المأساوي، برز الدور الإماراتي الأردني المشترك كرافعة أساسية لجهود الإغاثة الجوية، في ظل فشل المنظمات الدولية في توفير الدعم الكافي والمستدام.

فقد أجرى الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، اتصالًا مع نظيره الأردني أيمن الصفدي لمناقشة آخر تطورات الوضع الإنساني في غزة، وقد شكّل هذا الاتصال امتدادًا لسلسلة تنسيق مستمر بين البلدين، أسفر عن تنفيذ عملية الإسقاط الجوي رقم 59 ضمن مبادرة "الفارس الشهم 3"، وهي عملية إنسانية ضخمة تهدف إلى إيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى المناطق المنكوبة داخل القطاع.

طابع دولي


ما يميز هذه العملية ليس فقط حجم المساعدات، بل الطابع الدولي الذي اكتسبته من خلال مشاركة سبع طائرات من دول أوروبية كبرى، وهي: فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وإسبانيا. 


هذه المشاركة تعكس تحوّلًا لافتًا في المزاج الأوروبي نحو تحمل مسؤولية مباشرة في الأزمة، وإن كان في إطار إغاثي لا سياسي.

الشيخ عبد الله بن زايد أكد في تصريحاته، أنّ دولة الإمارات، بتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مستمرة في الالتزام بنهج العون الإنساني، وهو نهج لا تحكمه الحسابات السياسية الضيقة، بل تنبع جذوره من مبدأ التضامن مع الشعوب المتضررة.

 كما نوّه، أنّ الإمارات، إلى جانب الأردن، تُقدّم نموذجًا ملموسًا للاستجابة السريعة والمنظمة في أوقات الأزمات، من خلال دعم متكامل يشمل الطرق البرية والبحرية والجوية.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن عملية "الفارس الشهم 3" تُدار بمستوى عالٍ من التنسيق اللوجستي، يراعي شروط السلامة وتحديد المناطق الأكثر احتياجًا داخل القطاع.

ويتم إنزال المساعدات باستخدام مظلات دقيقة التوجيه، تضمن الوصول إلى أحياء تعاني من انعدام الأمن الغذائي والدوائي، مثل مناطق شمال غزة والمخيمات الجنوبية.

خطوات عملية


أما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فقد ثمّن -في تصريحاته- التعاون الإماراتي، مؤكدًا أنّ هذا التحالف الإنساني يمثّل موقفًا أخلاقيًا واضحًا في مواجهة العجز الدولي. 

وأشار، أن الدعم الجوي المستمر هو تعويض جزئي عن غياب ممرات آمنة أو هدنة دائمة يمكن استغلالها لإغاثة المدنيين.

ولا تقف أهمية هذا التنسيق عند حدود الإغاثة فقط، بل يمتد أثره إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين عمّان وأبوظبي، وتقديم نموذج عربي عملي يمكن تعميمه في حالات النزاع المشابهة.

كما أنّ الطابع المتعدد الجنسيات للعملية يعزز الضغط الدولي على الأطراف المتسببة في الحصار، ويحرج الجهات التي تكتفي بالإدانة اللفظية دون خطوات عملية.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه نداءات المنظمات الدولية لوقف الحرب وتوفير ممرات إنسانية، تبقى عمليات الإسقاط الجوي التي تقودها الإمارات والأردن شريان حياة وحيد للمدنيين.

 ولا شك أنّ هذه التحركات تعزز من صورة الدولتين كفاعلَيْن إقليميَيْن يمتلكان إرادة سياسية وأدوات عملية لخدمة قضايا العدالة الإنسانية في المنطقة.

نجاحًا دبلوماسيًا


من جانبه يقول المحلل السياسي الأردني، مأمون المساد: إن التنسيق الأردني الإماراتي في عمليات الإسقاط الجوي لغزة يتجاوز كونه مجرّد تحرك إغاثي إلى كونه رسالة سياسية متعددة الأبعاد.

وأضاف المساد -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، ما نشهده اليوم من تعاون ميداني بين الأردن والإمارات يعكس نهجًا عربيًا جديدًا يعتمد على الفاعلية الميدانية بدلًا من الاكتفاء بالمواقف الخطابية.

في ظل حالة الانكفاء الدولي، جاءت عملية "الفارس الشهم 3" لتعزز من موقع الدولتين كقوتين فاعلتين في الساحة الإقليمية، خاصة في القضايا ذات الطابع الإنساني-السياسي كالملف الفلسطيني".

ويضيف: أن مشاركة طائرات أوروبية في هذه العملية تمثل نجاحًا دبلوماسيًا غير مباشر، إذ جرى تحويل العمل الإغاثي إلى ميدان حشد دولي لصالح الشعب الفلسطيني، دون الاصطدام بالتعقيدات السياسية المرتبطة بالنزاع.

ويختم المساد رأيه بالقول: "إن استمرار هذه العمليات الجوية لا يُسهم فقط في إنقاذ أرواح المدنيين، بل يُعيد تعريف الدور العربي في أزمات المنطقة، مضيفًا: فالأردن، بموقعه الجغرافي وصلاته الوثيقة بالأراضي الفلسطينية، يجد في هذا التحرك فرصة لتعزيز دوره الإقليمي، بالتوازي مع الإمارات التي تسعى إلى تكريس دورها الإنساني في ملفات النزاع.