ما بعد الحرب.. كيف ترسم قمة شرم الشيخ ملامح غزة الجديدة؟ خبراء يجيبون
ما بعد الحرب.. كيف ترسم قمة شرم الشيخ ملامح غزة الجديدة؟ خبراء يجيبون

على شاطئ البحر الأحمر، حيث اعتادت مصر أن تجمع العالم على طاولة الحوار في لحظات الأزمات، عادت شرم الشيخ لتتصدر مشهد الدبلوماسية مجددًا، لم تكن القمة التي احتضنتها المدينة الساحلية مجرد اجتماع عابر، بل بدت كمنعطف سياسي حاسم في مسار الحرب على غزة، وفرصة لإعادة ترتيب الأوراق الإقليمية بعد شهور من الدم والدخان، القمة التي ضمّت قادة وممثلين من دول عربية وغربية، حملت عنوان "السلام" لكنها نطقت بلغة الواقع: وقف النار أولًا، ثم الأسرى، فالإعمار، وأخيرًا طريق الدولة الفلسطينية، وبين كلمات الوفود وخلف الكواليس، بدت القاهرة كمن يمسك مجددًا بخيوط اللعبة، تسعى لتثبيت هدنة، وترميم ما تهدّم من ثقة، وإحياء عملية سلام ظنّ كثيرون أنها دفنت منذ زمن بعيد، هكذا بدت شرم الشيخ، لا كمكان للصور التذكارية، بل كمسرح لمحاولة إنقاذ ما تبقّى من الأمل في شرقٍ أوسط أنهكته الحروب.
دور مصري محوري
جاءت قمة شرم الشيخ للسلام كمحطة مفصلية في الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب على غزة، حيث مثّلت لحظة توافق نادرة بين أطراف متباعدة المصالح، لكنها مجتمعة على قناعة واحدة: أن استمرار الصراع لم يعد مقبولًا، وأن الكلفة الإنسانية والسياسية بلغت ذروتها.
وبحسب محللين، فإن ما ميّز القمة ليس فقط حجم المشاركة الدولية الواسعة، بل طبيعة المخرجات التي تجاوزت البيانات التقليدية إلى اتفاقات عملية شملت تثبيت وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام، إلى جانب التوافق على خطة إعادة إعمار شاملة للقطاع بإشراف مصري ودولي.
الباحث اللبناني فادي عاكوم، رأى أن القمة أعادت القاهرة إلى مركز المشهد الإقليمي، بوصفها "الوسيط القادر على التحدث مع الجميع دون استثناء"، وأوضح أن "حجم الحضور الدولي والإجماع على المبادرة المصرية يعكسان ثقة متجددة في قدرة مصر على إدارة التوازنات الدقيقة في هذا الملف المعقد".
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن نجاح مخرجات القمة يتوقف على تحويل التوصيات إلى التزامات عملية، من خلال تشكيل آلية رقابة دولية تتابع التنفيذ وتمنع الانتهاكات.
وشدد على أن التحديات المقبلة من تفكيك الأنفاق ونزع سلاح الفصائل، إلى إدارة المرحلة الانتقالية تتطلب تنسيقًا عربيًا ودوليًا متوازيًا مع إرادة سياسية جادة.
التوازن بين الأمن والسياسة
ولفت عاكوم إلى أن مطلب الولايات المتحدة بنزع سلاح حماس، وإن كان مطروحًا على الطاولة، يثير حساسيات ميدانية وسياسية شديدة، معتبرًا أن الحل الواقعي يكمن في مقاربة مزدوجة تحفظ الأمن دون الإخلال بالنسيج الداخلي الفلسطيني، عبر تشكيل إدارة موحدة تشرف على الأمن والإعمار بإشراف عربي ودولي.
وأشار إلى أن ملف إعادة الإعمار هو "اختبار حقيقي للثقة الدولية"، إذ يتطلب شفافية في إدارة التمويل وضمان وصول الدعم لمستحقيه، بعيدًا عن التجاذبات السياسية والمصالح الضيقة.
أما الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فاعتبر أن قمة شرم الشيخ تمثّل "بداية واقعية" لمسار دبلوماسي جديد.
وقال: إن القمة جاءت في أعقاب المرحلة الأولى من خطة السلام الأمريكية، التي نجحت في تثبيت وقف إطلاق النار وإطلاق عدد من الرهائن، ما خلق زخمًا دبلوماسيًا يجب البناء عليه.
وأضاف -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن النقاشات لم تتوقف عند وقف النار، بل امتدت إلى ملفات ما بعد الحرب، مثل إعادة الإعمار، وتشكيل جهاز أمني فلسطيني جديد، والحوكمة المؤقتة للقطاع.
وأشار إلى أن أهمية القمة تكمن في أنها جمعت الدعم الدولي حول مبدأ الشرعية الدولية، بعد سنوات من الفوضى الدبلوماسية وتراجع الثقة بآليات الحلول الأممية.
لكن فهمي حذر من المبالغة في التفاؤل، قائلاً: "قمة شرم الشيخ قد تكون نقطة تحوّل، لكنها ليست نهاية الطريق. التوازن بين القوى، وموقف إسرائيل، ومدى التزام الأطراف الدولية، كلها عوامل ستحدد مصير ما تحقق".
الدبلوماسية المصرية.. عودة إلى الواجهة
بدوره، رأى السفير محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق، أن القمة "أعادت للدبلوماسية العربية بريقها"، مشيرًا أن الإجماع الدولي على وقف الحرب وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني يمثل إنجازًا سياسيًا مهمًا.
ووصف العرابي ما تحقق بأنه "انتصار لمصر قبل أن يكون لأي طرف آخر"، معتبرًا أن ما جرى هو "خطوة أولى على طريق طويل نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة".
وأضاف: أن التحدي المقبل يتمثل في "ضمان صمود اتفاق وقف النار"، في ظل احتمالات التوتر أو المماطلة في التنفيذ، لكنه أكد أن الدعم الدولي غير المسبوق يعطي القاهرة ورقة قوة لمتابعة المسار حتى النهاية.
رسالة فلسطينية إلى العالم
من جانبه، قال المحلل السياسي الفلسطيني يحيى قاعود: إن قمة شرم الشيخ "رسمت ملامح مسار جديد للسلام في الشرق الأوسط"، وأكدت تمسك العرب بخيار التسوية كطريق استراتيجي لا بديل عنه.
وأشار -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، إلى أن "الكرة الآن في ملعب إسرائيل" التي عليها أن تبرهن حسن نيتها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، موضحًا أن الحل الحقيقي يكمن في تطبيق مبدأ حل الدولتين الذي أجمع عليه المشاركون في القمة.
واعتبر أن القمة مثّلت منعطفًا جديدًا في الوعي السياسي العربي، إذ أظهرت أن التنسيق العربي عندما يتكامل مع الجهد الدولي يمكن أن يخلق توازنًا جديدًا يحدّ من هيمنة القوة على حساب العدالة.