من زقاق عمّان إلى منصة نوبل.. من هو العالم عمر ياغي؟
من زقاق عمّان إلى منصة نوبل.. من هو العالم عمر ياغي؟

من بيتٍ ضيّق في أزقة عمّان، إلى منصة أرفع الجوائز العلمية في العالم، رحلة عمر ياغي تختصر حكاية الإنسان الذي صاغ من الشغف علمًا، ومن الصعوبات معادلاتٍ غيّرت وجه الكيمياء الحديثة، حين أعلن اسمه ضمن الفائزين بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025، لم يكن العالم الأردني- الأميركي ياغي يحتفل بإنجازٍ فردي فحسب، بل بجسرٍ جديد بين الشرق والغرب، بين الحلم والتجريب، وبين طفولةٍ فقيرة في غرفةٍ تتقاسمها الماشية، ومختبرٍ في جامعة بيركلي يُنتج موادّ قد تغيّر مستقبل الطاقة والمياه، في لحظة التتويج، قالها ببساطة تشبه بداياته: "العلم هو القوة العظمى التي تصنع المساواة"، عبارة تختصر فلسفة الرجل الذي لم يتوقف عند حدود الكيمياء، بل تجاوزها إلى إعادة تعريفها، كأداة للنهضة، ومساحةٍ للعدالة.
رحلة من الطفولة إلى المجد
لم يكن طريق ياغي مفروشًا بالمختبرات أو المراجع، بل بالبدايات الصعبة، وُلد في عمّان عام 1965، ونشأ في بيتٍ صغير يحتضن عشرة أفراد، تقاسموا المسكن مع الحيوانات التي كانوا يربّونها لتأمين القوت.
في الخامسة عشرة من عمره، غادر الأردن إلى الولايات المتحدة بحثًا عن فرصةٍ علمية، ليبدأ هناك فصلًا جديدًا من حكاية المثابرة.
في ألباني، حصل على بكالوريوس الكيمياء من جامعة ولاية نيويورك عام 1985، قبل أن ينتقل إلى جامعة إلينوي في أوربانا- شامبين لنيل الدكتوراه، حيث نال جائزة أفضل أطروحة دكتوراه في الكيمياء.
ثم تابع زمالةً بحثية في جامعة هارفارد، ليبدأ بعد ذلك مسيرته الأكاديمية في جامعات أريزونا، ميشيغان، ولوس أنجلوس، وصولًا إلى بيركلي التي احتضنته كأستاذٍ وباحثٍ بارز.
حصل لاحقًا على الجنسية السعودية، وأصبح رئيس المجلس الثقافي العالمي في يناير 2025، مؤكدًا إيمانه الدائم بأن "الحدود لا توقف العقول".
الإنجاز العلمي الذي غيّر الكيمياء
في نهاية الثمانينيات، كانت الكيمياء تدخل مرحلةً جديدة، تبحث عن موادّ يمكنها احتجاز الغازات أو تخزين الطاقة، هنا بزغ اسم ياغي إلى جانب الياباني سوسومو كيتاغاوا والبريطاني ريتشارد روبسون، الذين مهّدوا لتطوير ما يُعرف اليوم بـ"الهياكل الفلزية العضوية" (MOFs).
بدأت الفكرة حين لاحظ روبسون إمكانية دمج أيونات النحاس لتكوين بلوراتٍ معقدة، لكنها غير مستقرة.
ثم جاء ياغي ليمنح النظرية قلبًا نابضًا، فابتكر إطارًا عضويًا معدنيًا عالي الاستقرار، يمكن تعديله لاحتجاز الغازات، وتنقية الهواء، وحتى استخلاص المياه من الجو الجاف.
وصفت لجنة نوبل إنجازه بأنه "نقلة نوعية في تصميم المواد"، فيما قال ياغي: إن هدفه الحقيقي لم يكن الاختراع فحسب، بل "إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والعلم والطبيعة"، لقد فتح هذا الاكتشاف أبوابًا جديدة في مجالات الطاقة النظيفة والبيئة، حتى باتت أبحاثه أساسًا لتقنيات تُستخدم في الصناعة والفضاء.
تكريم عربي ورسالة عالمية
احتفاءً بهذا الإنجاز، سارع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى تهنئة ياغي عبر منصة "إكس"، مؤكدًا أن "فوزه فخر للأردن والعرب جميعًا، ودليل على قدرة الإنسان العربي على الإبداع أينما وُجد".
كما استعاد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لحظة تكريمه لياغي قبل عام ضمن "نوابغ العرب"، مؤكدًا أن "الأمة العربية مليئة بالعقول الخلاقة، ورسالتنا أن نعيد الثقة في أنفسنا وشبابنا".
ياغي من جانبه لم ينس جذوره، فأكد أن العلم لا يعرف وطنًا أو حدودًا، وأن الموهبة "تنمو حيث تُمنح الفرصة"، تكريمه لم يكن فقط تتويجًا لإنجازٍ علمي، بل إعلانًا رمزيًا بأن المعرفة يمكن أن تكون جسرًا عربيًا نحو العالمية.
ففي زمنٍ يتسابق فيه العالم على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية، جاء إنجاز ياغي ليذكّر بأن جوهر النهضة يبدأ من مختبرٍ، ومن فكرةٍ تلامس الإنسانية قبل أن تصنع الاختراع.